للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العثمانية، ومشت قدّامه الأنكشارية والكمولية وهم يرمون بالنفوط، ومشت قدّامه طائفة النصارى بالشموع موقدة، واصطفّت الناس له على الدكاكين بسبب الفرجة، وكانت القاهرة مزّينة فى قوة الزينة، وعلّقوا له أحمالا وثريات معمّرة بالقناديل الموقدة بطول المدينة، ووقدوا له الشموع على الدكاكين، ولا سيما ما فعله تجار الورّاقين من الشموع الموكبيات الكبار، وأطلقوا له المجامر بالعود القمارى، ومرشّات الماورد الممسك. ثم إن جماعة من التجار نثروا على رأسه الفضة فى عدّة أماكن من المدينة، وارتفعت له الأصوات بالدعاء من الناس، وانطلقت له النساء بالزغاريت من كل جانب من البيوت والدكاكين، وفرشت له الشقق الحرير تحت حافر فرسه من عند خان مسرور، واستمرّ فى هذا الموكب الحافل حتى طلع إلى القلعة وعليه خلعة الاستمرار من عند السلطان سليمان بن عثمان، وهى تماسيح مذهب على مخمل أحمر، وكان ذلك اليوم مشهودا فى الفرجة والقصف حتى خرجوا فى ذلك عن الحدّ.

فلما طلع إلى القلعة أخلع على الأمير قايتباى الدوادار قفطان مخمل ونزل إلى داره، ثم نادى الوالى للناس بفكّ الزينة وقد أقامت القاهرة مزّينة نحو عشرة أيام، وتكلّف الناس بسبب هذه الزينة كلفة عظيمة من وقيد قناديل ومشترى زيت وغير ذلك، وحصل فى هذه الزينة من التركمان غاية الفساد من خطف النساء والصبيان المرد والتجاهر بالمنكرات ليلا ونهارا حتى خرجوا فى ذلك عن الحدّ، ولا سيما ما كان يفعل فى خان الخليلى من الفسق والفساد. وقد ابتهج الناس بهذه الزينة غاية البهجة.

وفى هذه الواقعة يقول صاحبنا الناصرى محمد بن قانصوه من صادق، يمدح فيها السلطان سليمان بن السلطان سليم شاه بن عثمان عزّ نصره:

الحمد لله أضحى الملك مبتسما … من بعد ما كان أبدى وجهه كظما

وكيف لا يك يبدى وجهه كظما … على سليم وقد أضحى يرى رمما

وصار بعد سليم لابنه وغدا … من السرور به بالبشر ملتثما