للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد ما ملكوا الفرنج بيروت وأقامت معهم ثلاثة أيام وهم مستولون عليها، فأطردوا عنها بعون الله تعالى.

ومن الحوادث العظيمة الغريبة ما وقع يوم الأربعاء تاسع عشر شهر ذى القعدة من سنة ست وعشرين وتسعمائة، قدم قاصد من البحر الملح وعلى يده مرسوم من عند السلطان سليمان ابن السلطان سليم شاه بن عثمان، فلما طلع إلى عند ملك الأمراء فسلّمه المرسوم، فكان من مضمونه أن السلطان سليم شاه قد توفى إلى رحمة الله تعالى. وحضر صحبة القاصد مطالعة من عند الريّس شمس الدين محمد بن القوصونى إلى صهره قاضى القضاة المالكى محيى الدين بن الدميرى، تتضمّن أخبار موت الملك سليم شاه بن عثمان وهى الأخبار الصحيحة. ثم ورد كتاب من عند الخليفة إلى والده يعقوب بمعنى ذلك كما تقدم ووقفت عليه، فأخبر أن السلطان (١) سليم شاه خرج يتصيّد فردّ من الصيد وهو متوعّك فى جسده، وقد طلعت له فرخة جمرة فتألم لها ولزم الفراش أياما وثقل فى المرض واشتدّ عليه الأمر جدا، فمات فى يوم الخميس تاسع شوال سنة ست وعشرين وتسعمائة، فلما مات كتم موته عن العسكر فأقام ثلاثة أيام لم يدفن، وكان ولده سليمان غائبا عن إسطنبول، فلما حضر وقد جدّ السير حتى دخل إلى إسطنبول وجلس على سرير الملك، فعند ذلك أشيع موت أبيه سليم شاه، فأحضروه فى سحليّة وهو مصبّر، فصلّوا عليه ومشت الوزراء قاطبة والعسكر قدّامه، ودفن على أجداده وأقاربه. وكان دفنه يوم الأحد أو يوم الاثنين ثانى عشر شوال كما قيل، ودفن على جدّه السلطان محمد بن عثمان فى مدرسته بإسطنبول، ومضى إلى رحمة الله تعالى كأنه لم يكن، وزال عنه الملك فى طرفة عين، فسبحان من لا يزول ملكه ولا يتغيّر، وفى ذلك يقول الأديب ناصر الدين محمد بن قانصوه من صادق:

عظّم الله أجركم … فى مليك الورى سليم

عنه قد زال ملكه … وغدى فى الثرى رميم

وقيل توفى الملك المظفر سليم شاه وله من العمر نحو سبع وأربعين سنة


(١) السلطان: سلطان.