للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان حاضرا فى المجلس قاضى القضاة المالكى محيى الدين الدميرى والقاضى شهاب الدين ابن شرين أحد نواب الحنفية والقاضى شمس الدين العبادى والأمير أرزمك الناشف وجماعة من الأمراء العثمانية، فلم يجسر أحد منهم أن يشفع فيه لشدّة غضب ملك الأمراء عليه، وكان يوما مهولا. والمحاكمة (١) الثانية عرض عليه شخص يقال له محمد بن عزّ الدين، كان أبوه من جملة الرسل بالمدرسة الصالحية، وكان يعرف بابن عرب، فكان ابنه محمد هذا قبيح (٢) السيرة مشهور بتزوير المراسيم عن لسان المباشرين، وسبقت له وقائع كثيرة بتزوير المراسيم عن لسان الأكابر، فقيل إنه زوّر مرسوما عن لسان القاضى شرف الدين بن عوض، فقبض عليه ابن الغياثى وأحضره إلى بين يدى ملك الأمراء، فكثرت فيه من الناس الشكاوى، فرسم بأن يشنق فشنق، وشهر فى القاهرة وهو مخزوم الأنف ومقطع الآذان، وأراح الله تعالى المسلمين منه، فإنه كان كثير النصب والحيل ويحكى عنه الغرائب والعجائب فى أمر الحيل والنصب والسرقة. والمحاكمة الثالثة عرض عليه شخص من الفلاحين سرق ثورا، فرسم بأن يخوزق، وقطع أنفه وآذانه وأركبه على الثور وأشهره فى القاهرة ثم خوزقه. وكان ملك الأمراء عجولا فى أمر القتل وقد شنق وخوزق ووسّط فى أيام ولايته على مصر ما لا يحصى عددهم من الناس، والغالب راح ظلما من غير ذنب، وكان ملك الأمراء شديد القسوة صلبا فى الأمور جدا، فكان كما يقال فى المعنى:

احذر تعاشر من يكن طبعهم … ظلم الورى دأبا وإن أحسنوا

لقول ربّ العرش سبحانه … فى محكم الذكر ولا تركنوا

وفى يوم الخميس ثالث عشره رسم ملك الأمراء بشنق ثلاثة أنفار من القوّاسة كانوا حرّاسا على قصب فى شبرا، فأتى إليهم بعض التركمان ليسرق من القصب فضربه أحد القوّاسة، فجاءت الضربة صائبة فمات ذلك التركمانى، فلما بلغ خشداشينه ذلك توجّهوا إلى شبرا ونهبوا ما فيها، ثم قبضوا [على] ثلاثة أنفار من القوّاسة، وأحضروا عقيب ذلك برأس قوّاس زعموا أنه هو الذى قد قتل التركمانى فعلّقوها


(١) والمحاكمة: المحاكمة.
(٢) قبيح: قبح.