للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم صارت القتلاء من الأتراك والعثمانية أجسادهم مرميّة من بولاق إلى قناطر السباع وإلى الرملة وإلى تحت القلعة، وفى الحارات والأزقّة من الأتراك والعثمانية، وهم أبدان بلارءوس. هذا والعربان واقفة عند قنطرة الحاجب وهم يشلّحون (١) الناس ويعرّونهم [من] أثوابهم، ويقتلون (٢) من يلوح لهم من العثمانية، ولولا لطف الله تعالى لهجموا على القاهرة ونهبوا أسواقها ودورها. ثم إن السلطان طومان باى نادى فى القاهرة أن كل من مسك أحدا من عسكر ابن عثمان وطلب منه الأمان فلا يقتله. - ومن العجائب أن السلطان طومان باى لما ظهر خطب باسمه على منابر القاهرة فى يوم الجمعة، وكان فى الجمعة الماضية خطب باسم سليم شاه بن عثمان، فكان كما يقال:

لا تيأسنّ من فرج ولطف … وقوّة تظهر بعد ضعف

فاستمرّ السلطان طومان باى يتّقع مع عسكر ابن عثمان، ويقتل منهم فى كل يوم ما لا يحصى عددهم، من يوم الأربعاء إلى يوم السبت طلوع الشمس ثامن المحرّم، فرأى عين الغلب وقد تكاسل العسكر عن القتال واختفوا فى بيوتهم، وتفرّقت الأمراء كل واحد فى ناحية، واستمرّ السلطان يقاتل فى عسكر ابن عثمان وحده بمفرده فى نفر قليل من العبيد الرماة وبعض مماليك سلطانية وبعض أمراء، منهم شاد بك الأعور وآخرون من الأمراء العشرات، فلما ظهر له الغلب هرب وتوجّه إلى نحو بركة الحبش، وكان قليل الحظّ غير مسعود الحركات فى أفعاله، فكان كما يقال:

قليل الحظّ ليس له دواء … ولو كان المسيح له طبيب

وهذه رابع كسرة وقعت لعسكر مصر مع ابن عثمان، وقد غلّت أيديهم عن القتال حتى نفذ القضاء والقدر، وكان ذلك فى الكتاب مسطورا. ولما هرب السلطان طومان باى وقع فى القاهرة المصيبة العظمى التى لم يسمع بمثلها فيما تقدّم من الزمان، فلما انهزم السلطان صبيحة يوم السبت ثامن المحرم طفشت العثمانية فى الصليبة وأحرقوا جامع شيخو، فاحترق سقف الإيوان الكبير والقبّة التى كانت به كون أن السلطان طومان باى كان به وقت الحرب، وأحرقوا البيوت التى (٣) حوله


(١) يشلحون: يشلحوا.
(٢) ويقتلون: ويقتلوا.
(٣) التى: الذى.