للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى أهل مصر جمرة نار. ثم دخلوا جماعة من العثمانية إلى الطواحين وأخذوا ما فيها من البغال والأكاديش، وأخذوا عدّة جمال من جمال السقايين. وصارت العثمانية تنهب ما يلوح لهم من القماش وغير ذلك، وصاروا يخطفون (١) جماعة من الصبيان المرد والعبيد السود، واستمرّ النهب عمّالا فى ذلك اليوم إلى بعد المغرب، ثم توجّهوا إلى شون القمح التى (٢) بمصر وبولاق فنهبوا ما فيها من الغلال. وهذه الحادثة التى قد وقعت لم تمرّ لأحد من الناس على بال، وكان ذلك مما سبقت به الأقدار فى الأزل، وقال الشيخ بدر الدين الزيتونى فى هذه الواقعة:

نبكى على مصر وسكانها … قد خربت أركانها العامره

وأصبحت بالذلّ مقهورة … من بعد ما كانت هى القاهره

وفى يوم الجمعة سلخ سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، فيه دخل أمير المؤمنين محمد المتوكل على الله إلى القاهرة، فدخل وصحبته وزراء ابن عثمان ومن عساكره الجمّ الغفير، ودخل ملك الأمراء خاير بك نائب حلب، ودخل قاضى القضاة الشافعى كمال الدين الطويل، والقاضى المالكى محيى الدين الدميرى، والقاضى الحنبلى شهاب الدين الفتوحى، وهؤلاء كانوا فى أسر ابن عثمان من حين مات السلطان الغورى.

ودخل يونس العادلى، وخشقدم الذى كان شاد الشون بمصر وهرب من الغورى إلى بلاد ابن عثمان وكان سببا لهذه الفتنة العظيمة.

فلما دخل الخليفة دخل من باب النصر وشقّ من القاهرة وقدّامه المشاعلية تنادى للناس بالأمان والاطمان والبيع والشرى والأخذ والعطا، وأن لا أحدا يشوّش على أحد من الرعيّة، وقد غلق باب الظلم وفتح باب العدل، وأن كل من كان عنده مملوك جركسى من مماليك السلطان ولا يغمز عليه شنق على باب داره، والدعاء للسلطان الملك المظفر سليم شاه بالنصر، فضجّ له الناس بالدعاء من العوام. فلم تسمع العثمانية من هذه المناداة، وصاروا ينهبون (٣) بيوت الناس حتى بيوت الأرباع فى حجة أنهم يفتّشون (٤)


(١) يخطفون: يخطفوا.
(٢) التى: الذى.
(٣) ينهبون: ينهبوا.
(٤) يفتشون: يفتشوا.