للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من غزّة ولم يصرف لهم السلطان الأضحية، فأصرفها لهم فى ذلك اليوم بعد ما وبّخهم بالكلام، وقال لهم: كيف هربتوا حتى كسرتوا الأمراء ولم تقاتلوا شيئا وبقى وجهكم أسود بين الناس. - وفى يوم الأربعاء رابع عشره حضر إلى الأبواب الشريفة الناصرى محمد بن الريّس شمس الدين القوصونى ريّس الطب، وكان فى حلب فى الأسر عند ابن عثمان، فهرب من هناك مع العربان وغرم لهم مالا له صورة حتى أتوا به إلى مصر، فطلع وقابل السلطان فى ذلك اليوم، وقد غيّر هيئته وحلق ذقنه وتزايا بزىّ العرب حتى تخلّص من جماعة ابن عثمان، وأخبر السلطان أن قد بلغه عن ابن عثمان أن عسكره مختلف عليه، وأن مات له من الجمال والخيول ما لا يحصى عددها من الثلج الذى وقع بالشام، وأن الغلاء معهم موجود، وأن عسكره قد تقلّق من البرد والثلج وموت الخيول. وأشيع فى ذلك اليوم أن عسكر ابن عثمان الذى كان فى غزّة قد رحل عنها وقد صارت العربان تقتل منهم فى كل يوم جماعة كثيرة ممن يجدونه فى الضياع فيقتلونهم ويهربون (١) فى الجبال.

وفى يوم الاثنين خامس عشره طلع العسكر ليقبض الجامكية فقالوا لهم الطواشيّة:

يا أغوات ما فيها اليوم جامكية، البلاد خراب والعرب مفتنة فى الطرقات، ومشايخ العربان والمدركين ما أرسلوا من التقاسيط التى عليهم شيئا، فإن حصل شئ على يوم الاثنين فينفقوا عليكم. فنزل العسكر من القلعة وهو فى غاية النكد، فإن لهم ستة أشهر لم يصرف لهم السلطان ثمن اللحم المنكسر، وقد تعطّلت الجوامك أيضا. - وفى ذلك اليوم أخلع السلطان على الأمير قانصوه روح لوا أحد الأمراء (٢) المقدّمين الذى كان نائب قطيا، وقرّره كاشف الشرقية عوضا عن قجماس الذى كان بها، فإنه كان عاجزا عن إصلاح أحوال الشرقية. وأخلع على ألماس كاشف الغربية بأن يستمر على عادته فى كشف الغربية. وأخلع على الأمير أبرك الوزير والأستادار باستمراره على عادته، وكان أشيع عزله، وقد صارت أحوال الديار المصرية فى هذه الأيام فى غاية الاضطراب من وجوه شتّى.


(١) ويهربون: ويهربوا.
(٢) الأمراء: أمراء.