للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاءت الأخبار إلى القاهرة بولايته، دقت له البشائر، وزينت له القاهرة، ونودى فيها باسمه، وخطب له على المنابر.

فلما تحقّق ريدا فرنسيس، ملك الفرنج، موت الملك الصالح، طمع فى أخذ مصر، وزحف بمن معه من العساكر إلى فارسكور (١)؛ فلما رأوا الأمراء ذلك، ضربوا مشورة، وتحالفوا على أن يكونوا كلمة واحدة على الجهاد فى سبيل الله.

فلما كان يوم الجمعة ثانى عشر المحرم سنة ثمان وأربعين وستمائة، ركب الأمير بيبرس البندقدارى، والأمير لاجين، والأمير فارس الدين آقطاى، وبقيّة الأمراء والعسكر قاطبة، وخرج معهم السواد الأعظم من العربان والعوام والفلاحين.

وحمل عليهم العسكر بالسيوف والأطبار والنشاب، وحمل عليهم العربان بالرماح، والعوام بالمقاليع والحجارة، وكانوا يلبسون على رءوسهم طاسات نحاس أبيض، عوضا عن الخوذ، وقاتلوا فى ذلك اليوم قتال الموت، وهجموا عليهم هجمة واحدة؛ فلم تكن إلا ساعة يسيرة، وقد انكسرت الفرنج أنحس كسرة، وكانت النصرة للمسلمين، كما قيل فى المعنى:

لله درّ فوارس يوم الوغى … تهوى الخياطة لا إليهم تنتمى

ذرعوا الفوارس بالرماح وفصلوا … بالمرهفات وخيّطوا بالأسهم

فبلغ عدّة من استشهد فى هذه الوقعة من الأمراء نحو ستين أميرا، غير المماليك السلطانية، وغير العربان والعوام؛ وقتل على فارسكور (١) من الفرنج نحو اثنى عشر ألف إنسان، وأسر من أعيان ملوك الفرنج سبعة - نقل ذلك المقريزى فى الخطط.

نقل بعض المؤرّخين، أنّ الملك الصالح لما توجّه إلى قتال الفرنج، أخذ معه الشيخ عزّ الدين بن عبد السّلام، ، فلما كانت هذه الواقعة، واستظهر الفرنج على المسلمين، فلما عاين الشيخ عزّ الدين ذلك، نادى بأعلا صوته إلى الريح: «يا ريح خذهم»، ثلاث مرات، فجاء ريح أسود على مراكب الفرنج فكسرها، وغرق


(١) فارسكور: فارسكوره.