للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفى يوم الجمعة ليلة السبت ثامن عشرين رجب كانت وفاة [قاضى القضاة الحنفى سرىّ الدين عبد البرّ بن قاضى القضاة محبّ الدين بن الشحنة] (١)، وقد تقدّم ترجمة نسبهم فى الجزء الثامن من التاريخ، وكان قاضى القضاة عبد البر إماما فاضلا عالما علاّمة فى هيبة (٢) وكان رئيسا حشما من ذوى البيوت من أعيان علماء الحنفية، توفى وله من العمر نحو خمسة وسبعين سنة أو دون ذلك، ومات وهو منفصل عن القضاء، وقد أقام فى منصب القضاء نحو ثلاث عشرة سنة وأشهر، ورأى فى دولة الأشرف قانصوه الغورى ما لا رآه غيره من القضاة، وكان من أخصّاء السلطان بحيث أنه كان يبات عند السلطان بالقلعة ثلاث ليال فى الجمعة، وصار هو المتصرّف فى أمور المملكة بحضرة السلطان، واستمرّ على ذلك حتى تغيّر خاطر السلطان عليه بسبب ما تقدّم ذكره من عزل القضاة الأربعة فى يوم واحد، فعزل معهم، واستمرّ على عزله والسلطان متغيّظ عليه ولا يسمع بذكره قط حتى مات من شدّة قهره، [وأشيع بين الناس أن] (٣)، ثم مات رحمة الله عليه، وقد قلت فى هذه الواقعة:

طلعت لعبد البرّ أعظم ذبلة … من قهر أحكام القضا لما عزل

قد نال ذل الطرد من سلطانه … وأتى إليه كل عكس متّصل

وفى شعبان كان مستهل الشهر يوم الأحد، فجلس السلطان فى الميدان، وطلع القضاة الأربعة للتهنئة بالشهر، وكان الخليفة متوعكا فى جسده لم يطلع للتهنئة بالشهر. - وفى يوم الثلاثاء ثالثه نزل السلطان وتوجّه إلى قبّة الأمير يشبك التى بالمطرية، فبات بها وتفرّج على الملقة وكانت فى قوّة ملوها، فأقام هناك إلى يوم الأربعاء آخر النهار ثم عاد إلى القلعة، ونزل أيضا عقيب ذلك إلى القبة وبات بها. - وفى يوم الاثنين سادس عشره حضر إلى الأبواب الشريفة جانم الخاصكى الذى كان أرسله السلطان إلى ملك التتار بسبب أقارب السلطان الذين أسرهم ملك التتار عنده، فلما مرّ من على بلاد ابن عثمان أرسل قبض عليه


(١) وقد تقدم ترجمة نسبهم فى الجزء الثامن من التاريخ: انظر ابن إياس طبعة باول كاله ومحمد مصطفى ج ٣ ص ٢٠٩ س ٤.
(٢) هيبة: هبة.
(٣) وأشيع بين الناس أن: كذا فى الأصل، ويظهر أنه قد سقطت هنا بعض الكلمات من المتن.