للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العصاة عنما قيل عنه، وكانت مساوئه أكثر من محاسنه، وكان شديد القسوة كثير الجهل وقد أراح الله تعالى الناس منه، فلما مات لم يثن عليه أحد من الناس بخير قط، وقد قلت فى ذلك مداعبة لطيفة:

جهنم منذ قالت … لقانى باى خذ حذارك

قد زاد نيران وجدى … من كثرتى لانتظارك

[وأنا أستغفر الله العظيم وأتوب اليه من ذلك] (١)، ولكن أحببت أن أذكر هنا شيئا من مساوئه حتى يعتبر من بقى لعل أن تحسن أخبارهم من بعدهم، وكان السلطان متأثّرا من الأمير قانى باى هذا فى الباطن، وقد عيّن له أمرة السلاح غير ما مرّة ويترك أمرية آخورية الكبرى فيأبى من ذلك، وكان السلطان له قصد أن يقرّر أحدا من أخصّائه فى أمرية آخورية الكبرى فيعارضه فى ذلك، فلما مرض الأمير قانى باى استمرّ مقيما بباب السلسلة فى مدّة انقطاعه نحو خمسة أيام، فمات بباب السلسلة ليلة الجمعة بعد العشاء، فرسم السلطان أن ينزل إلى داره وهو ميت فنزلوا به فى تابوت إلى بيته الذى عند حدرة البقر، وكان متزوّجا ببنت الأمير يشبك من مهدى أمير دوادار كبير فأقامت (٢) له نعيا بالطارات، واستمرّت تدق عليه بالطارات ثلاثة أيام متوالية فعزّ ذلك على السلطان فى الباطن، وأشيع بين عياله أنه قد مات مسموما، فحقد ذلك على بنت الأمير يشبك فيما بعد وقرّر عليها فوق الثلاثين ألف دينار وزعم أن قانى باى أمير آخور أودع عندها مالا فشرعت فى بيع جهازها حتى تردّ ما قرّر عليها من المال. - فلما كان يوم الجمعة حضرت القضاة الأربعة والأتابكى سودون العجمى وسائر الأمراء المقدّمين وأرباب الوظائف من المباشرين، وأخرجت جنازته من بيته وقدّامه كفارة فطلعوا به من على حدرة البقر، فلما وصل إلى الرملة نهبت العوامّ تلك الكفّارة، فلما وصل إلى سبيل المؤمنى خرج السلطان من الميدان وصلّى عليه وكانت جنازته حافلة، ثم رجعوا به


(١) وأنا … ذلك: جاءت فى الأصل بين البيتين.
(٢) فأقامت: فقامت.