للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدقون السود دون الشيوخ، ولم يعط المماليك القرانصة الشيوخ شيثا، ولا المماليك السيفيّة شيئا، ولا أولاد الناس شيئا، ولا أصحاب الطبقة الخامسة التى تجدّدت، فحصل للعسكر فى ذلك اليوم كسر خاطر إلى الغاية، وقيل إن بعض المماليك وقف إليه بسبب النفقة وأغلظ عليه فى الكلام، فرسم بقطع جامكيته فى ذلك اليوم ولو زاده عليه رسم بنفيه أيضا، فلما جرى ذلك اعتبروا بقية المماليك عن طلب النفقة. - وفى ذلك اليوم نادى السلطان فى القاهرة بأن لا مملوكا يركب (١) فى سرج بداوى ولا ركب بداوى ولا يتخلّل بإحرام صوف أبيض ولا يغطّى وجهه إذا ركب، ولا مملوك ولا غلام ولا عبد يخرج من بعد العشاء، وصار يكرّر هذه المناداة يومين موالية، فشقّ على المماليك هذه المناداة وكانوا قد زادوا فى الضرر للناس، ثم [إن] جماعة من المماليك توجهوا إلى عند الأمير طومان باى الدوادار ليكلّم السلطان فى أمر النفقة على بقيّة المماليك، فلما كلّمة لم يفد من كلامه شيئا، واستمرّ السلطان باقيا على عدم النفقة على المماليك الشيوخ والعواجز، فما وسعهم إلا الصبر والسكوت عن ذلك، فكان كما يقال فى المعنى:

أنفقت عمرى وصحتى (٢) شغفا … عليك والصبر آخر النفقه

وفى أثناء هذا الشهر حضر الأمير أينال باى دوادار سكين، وكان توجّه إلى حلب بسبب مجئ العسكر وغير ذلك من الأشغال السلطانية؛ وحضر الأمير خاير بيك المعمار، وكان توجّه إلى العقبة بسبب إصلاح العراقيب التى بطريق العقبة لأجل خوند وابن السلطان قبل أن يجوا إلى العقبة. - وفى هذا الشهر كثر الدعاء من المماليك القرانصة على السلطان بسبب منعه لهم من النفقة. - وفى يوم الأربعاء تاسع عشره أرسل السلطان خلف قاضى القضاة الشافعى محيى الدين بن النقيب المنفصل، فتوجّه إليه بعض مهاترة الطستخاناه، فلما طلع به أرسل السلطان يقول له أورد ثلاثة آلاف دينار وتولّى وظيفتك


(١) يركب: لا يركب.
(٢) وصحتى: وصحة.