للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدّة حافلة، فأكل منها ثم ركب من هناك وطلع إلى القلعة. - وفى هذا الشهر تناهى النيل فى الزيادة إلى اثنى عشر أصبعا من تسعة عشر ذراعا، وذلك قبل دخول النوروز بستة عشر يوما، حتى عدّ ذلك من النوادر، فأخصبت الفواكه فى هذا الشهر جدّا، حتى البطيخ الصيفى والعبدلّى والعنب والرمّان وسائر الفواكه، لكن الزبيب كان غاليا وتناهى سعره إلى خمسة أشرفية كلّ قنطار، وصاروا يخلطون مع الأقسماء (١) العجوة، وكانت أصناف الغلال جميعها مشطّطة، وسائر البضائع من السيرج والزيت والزيت الحار والسمن مشطّطة فى السعر، وكذلك سائر الأجبان حتى السكر والقطر، وتشحّط اللحم الضانى والبقرى، وغلا سعر الأرز، والأمر فى ذلك إلى الله تعالى.

وفى جمادى الآخرة فيه تغيّر خاطر السلطان على الزينى بركات بن موسى المحتسب، وسبب ذلك أنه حصل بينه وبين الجمالى يوسف البدرى الوزير تشاجر بحضرة السلطان، فخرج الزينى بركات على البدرى فى القول قدّام السلطان وأساء عليه، فحنق السلطان من الزينى بركات وأمر بالقبض عليه، ووكل به ألماس دوادار سكين وشخصا آخر من دوادارية السكين، فأطلعوه إلى طبقة الحوش، ورسم له السلطان بأن يقيم له حساب أربع سنين عن الجهات التى كان يتكلّم عليها، فاستمرّ فى الترسيم ثمانية أيام وهو فى كل يوم يدفع إلى ألماس ورفيقه مائة دينار، ولم يجسر أحد من الأمراء أن يكلم السلطان فى أمره، فلما كان يوم السبت تاسع هذا الشهر أفرج السلطان عن الزينى بركات وألبسه كاملية صوف بصمور، ونزل من القلعة فى موكب حافل، ومعه جماعة من أرباب الدولة، فزيّنت له القاهرة ووقدت له الشموع والقناديل على الدكاكين، وتخلّق الناس بالزعفران، حتى زيّنت له بيوت بركة الرطلى بالشدود الحرير الأصفر والكوامل الحرير الملوّن فعلقت فى الطيقان، وانطلقت له النساء بالزغاريت [ولاقته الطبول والزمور ومغانى النساء] (٢)، وكان ساكنا ببركة الرطلى فى أيّام النيل، وكان


(١) الأقسماء: الأقمساء.
(٢) ولاقته … النساء: كتبت فى الأصل بعد «بركات» فى سطر ١ ص ٢٧٥.