للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الحوادث العظيمة فى أيام العادل هذا، أنّ فى سنة سبع وتسعين وخمسمائة، توقّف النيل عن الزيادة، وانتهى فى الزيادة إلى اثنتى عشرة ذراعا وأصبعا، ثم انهبط ولم يزد بعد ذلك شيئا، فاضطربت أحوال الديار (١) المصرية، وحصل الضرر الشامل للبرّية، وأكلت الناس بعضها بعضا.

واستمرّ النيل على ذلك ثلاث سنين متوالية، لم يزد غير اثنتى عشرة ذراعا، ثم يهبط، فوقع القحط، وعدمت الأقوات، فصار الناس من شدّة الجوع يأكلون الكلاب والقطط والحمير والبغال والخيل والجمال، حتى لم يبق (٢) بمصر دابّة (٣) تلوح؛ ثم تزايد الأمر حتى صار الرجل يذبح ابن جاره، أو عبده، أو جاريته، ويأكلهم، ولا ينكر عليه ذلك؛ وقد تناهى (٤) سعر القمح فى أواخر هذه السنين المجدبة، إلى مائة دينار كل أردب ولا يوجد.

هكذا (٥) نقل الإمام أبو شامة، ثم قال: وقد عقب هذه الغلوة فناء عظيم، حتى إنّ الملك العادل، كفّن من ماله فى مدّة يسيرة، من مات من الغرباء نحو مائتين وعشرين ألف إنسان؛ وأما الذى مات من أهل مصر، فلا يحصى عددهم، حتى قيل: كان النيل إذا طلع لم يجد من يزرع عليه الأرض، فكانت الأتراك تخرج بنفسها، ويحرثون ويزرعون ويحصدون، وذلك لعدم وجود الفلاحين.

قال الإمام أبو شامة: كانت الأطباء يدعونهم إلى المرضاء، فإذا حصلوا عندهم فى الدار، يغلقوا (٦) عليهم الأبواب ويذبحوهم ويأكلوهم (٧)؛ وكذلك كانوا يفعلون بالغواسل، يدعونهم إلى الأموات، فإذا حصلوا عندهم فى الدار، ذبحوهن وأكلوهن، وصار لا ينكر ذلك بين الناس.

قيل إنّ رجلا من أهل مصر استدعى بطبيب، فلما أتى معه، جعل الرجل يكثر


(١) الديار: الدار.
(٢) لم يبق: لم يبقى.
(٣) دابة: ذآبة.
(٤) تناهى: تناها.
(٥) هكذا: هكذى.
(٦) يغلقوا: كذا فى الأصل.
(٧) ويذبحوهم ويأكلوهم: كذا فى الأصل.