وكان ألفاظ هذه المكاتبة مرجّزة، صنعة البديع، وقد نعت فيها السلطان نعتا عظيما، وكان من مضمونها أنه أرسل للسلطان عدّة مراكب فيها زردخاناه فما يدرى هل وصلت إلى السلطان أم لا، وأخبر فيها أن الرئيس كمال المجاهد قد غرق ولا يعلم له خبر، فأقام القاصد بمصر أياما قلائل وكتب له الجواب عن مكاتبته وأذن له بالسفر إلى بلاده. - وفى هذا الشهر أنعم السلطان على الأمير خاير بيك الخازندار بتقدمة ألف، وصار من جملة الأمراء المقدّمين. - وفيه توفى شمس الدين محمد الصالحى وكيل الشرع الشريف، وكان علامة فى صنعة التوكيل عارفا بأمور الشرع، وكان لا بأس به. - ومن النوادر اللطيفة ما وقع فى هذا الشهر وهو أن السلطان رسم بشيل الدكّة التى كانت بالحوش يجلس فوقها السلاطين للمحاكمات، وقد جلس فوق هذه الدكّة جماعة كثيرة من الملوك ونفّذوا عليها الأحكام السلطانيّة وكانت عوضا عن كرسى المملكة، فعزّ على الناس تغييرها ولم يتفاءلوا بذلك، ثم إنه بنى مكان هذه الدكّة مصطبة بالحجر الفصّ وزخرفها بالرخام السماقى والزرزورى والمرسينى وغير ذلك من أصناف الرخام الملوّن الفاخر، ونقش بروزها وألبسها بالذهب وجعل لها (١) إفريزا من الرخام الأبيض وله رمانتان رخام أبيض، وكسى هذا الإفريز بالذهب ونقش عليه اسمه، وصنع فوق هذه المصطبة وزرة من الرخام الملوّن طولها أربعة أذرع، فجاءت هذه المصطبة غاية فى الحسن بحيث لم يعمل مثلها قط ولا سبقه أحد من الملوك إلى ذلك، وقد قلت فى هذه الواقعة هذه الأبيات وهو قولى: