للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تاسعه ثم رحل من هناك [صحبة] العسكر، ولما خرج الأمير خاير بك رسم السلطان لجان بردى تاجر المماليك الذى كان غضب عليه وسجنه بالبرج بأن يخرج صحبة العسكر منفيا إلى مكة ويقيم بها. - وفى ذلك اليوم رسم بإخراج قلج أمير آخور ثانى إلى حلب منفيّا، وقد تقدّم أنه غضب عليه. - وفى يوم الجمعة حادى عشره صلى السلطان بالجامع، وجلس على باب الستارة، وأخلع على الأمير دولات باى المقدّم ذكره وقرّره فى أمرة السلاح عوضا عن سيباى بحكم انتقاله إلى نيابة الشام.

وفى شعبان عرض السلطان المحابيس والنساء التى بالحجرة وأطلق منهم جماعة وصالح عنهم من أرباب الديون من ماله. - وفيه وصل إلى السلطان من البلاد الشامية صناديق خشب وفيها أشجار بطينها ما بين تفّاح شامى وكمثرى وسفرجل وقراصيّة وكروم عنب وأشجار مزهرة ما بين ورد أبيض وسبوسان (١) وزنبق وغير ذلك من الأزهار الشامية، حتى أحضر إليه شجرة جوز هند بطينها، فغرس ذلك جميعه بالميدان الذى تحت القلعة، فكانوا نحوا من مائة وخمسين حملا، فعدّ ذلك من النوادر اللطيفة، وقد تقدم أنه أنشأ به مناظر ومقاعد وأماكن للمحاكمات وأرمى بأرضه الأحمال الطين، وكان السلطان مولعا بغرس الأشجار وحب رؤية الأزهار والرياضات وهذه الأخبار تقرب من أخبار خمارويه بن أحمد بن طولون حيث أنشأ بستانا بالقرب من جامع أبيه الذى أنشأه بأعلا الكبش، وقد تقدم ذكر ذلك فى أخباره فى الجزء (٢) الرابع الذى ذكرنا فيه أخبار مصر، ولما كملت عمارة هذا الميدان صار من جملة متنزهات الديار المصرية وصار السلطان ينزل إليه فى كل يوم ويعمل به المواكب فى غالب الأيام، وكان أكثر إقامته به لأجل التنزه، وقد صار هذا الميدان مثل غوطة دمشق ما بين أشجار ومياه جارية حتى عدّ ذلك من النوادر، وقد قلت فى المعنى:

عاينت بالميدان بستانا زها … أشجار، أومت لنا بسلام

والزهر مختلف به ألوانه … ولقد يجلّ تراه عن نمام


(١) سبوسان: كذا فى الأصل ولعله يقصد سوسن
(٢) الجزء: الجزؤ.