وفيه عاقب السلطان بدر الدين بن مزهر وعصره فى أكعابه وركبه ودقّ القصب فى أصابعه وأحرقها بالنار حتى وقعت عقد أصابعه، ثم نوّعوا له أنواع العذاب فأخذوا له كمّاشة حديد وأحموها بالنار واختطفوا (١) بها أبزازه وأطعموها له، ثم أخذوا له حبل قنب ولووه على أصداغه حتى نفرت عيناه من وجهه وسالت على خديّه، وقاسى ما لا خير فيه وعذّب بأنواع العذاب الشديد، وكان المتولى عقابه الحاجّ بركات بن موسى ومعين الدين بن شمس وكيل بيت المال وإبراهيم دوادار الوالى والريس كمال الدين المزيّن فما أبقوا ممكنا فى عذابه، وكان هذا من مقت الله تعالى فى حقّ بدر الدين بن مزهر، وقد روى فى بعض الأخبار أن الله تعالى يقول إذا عصانى من يعرفنى سلّطت عليه من لا يعرفنى.
وفى رجب فى يوم الأربعاء رابعه توفّى القاضى بدر الدين بن مزهر بالقلعة، وقد مات تحت العقوبة، فغسل بالقلعة وكفن وصلّى عليه ونزلوا به من القلعة وتوجّهوا به إلى تربة أبيه فدفن عليه، وكان رئيسا حشما تولّى عدة وظائف سنية منها نظارة الخاصّ والحسبة وكتابة السرّ تولاّها عن أبيه، وكان جميل الهيئة مليح الشكل، وتوفّى عن ثلاث وخمسين سنة من العمر، وكان من أعيان الرؤساء بمصر أنصارىّ الأصل، وهو محمد بن أبى بكر بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الخالق بن عثمان الشهير بمزهر الدمشقى الأنصارى الشافعى، وكان له اشتغال بالعلم لكنه كان يتقرّب إلى خواطر الملوك بإيذاء الناس فأخذ من الجانب الذى كان يأمن اليه، وقد رثيته بقولى مع التضمين:
خسف البدر المفدّا … وبسحب الترب غابا
يا ترابا ضمّ بدرى … ليتنى كنت ترابا
انتهى ذلك.
وفى هذا الشهر جاءت الأخبار بأن دولات باى أخا العادل توجّه إلى