للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقرروا مع العادل أنه إذا حضر إلى بيت جانى بك الشامى يهجمون على مصر باى بعد العشاء وهو جالس فى مقعده، فيدخلون عليه من باب سرّ الأتابكى جرباش الذى خلف بيت تمر بغا فيقتلونه تحت الليل على حين غفلة، فإذا قتل مصر باى يركب العادل من هناك ويحطم من باب السلسلة فيملكه، فانصاغ العادل إلى هذا الكلام وحضر إلى بيت جانى بك الشامى وكان هذا عين الخداع، وصار من تدبيره ما عاد فى تدميره، فلما صار عنده فى البيت مدّ له أسمطة حافلة [١] وبات عنده، فأرسل جانى بك الشامى أعلم مصر باى بذلك، فبينما العادل فى أرغد عيش فما شعر إلاّ وقد هجموا عليه وأحاطوا بالمكان الذى به وقد تمت الحيلة عليه، كما يقال:

لا تركنن إلى الخريف فماؤه … مستوخم وهواؤه [٢] خطاف

يمشى مع الأجسام مشى صديقها … ومن الصديق على الصديق يخاف

قيل لما هجموا عليه قام وهرب فتسلّق من على حائط وأرمى بنفسه من أعلى الحائط فوقع على فخذه فانكسر نصفين، فأدركه شخص من مماليك الأشرف جان بلاط يقال له أرزمك فقطع رأسه، وصار كل من مماليك جانبلاط وقصروه يشتفى منه ويضربه بالسيف حتى هروه، فلما قطعوا رأسه أحضروها بين يدى مصر باى الدوادار، فوضعها فى طبق من النحاس، وأخرجها من بيته والمشاعلية تنادى عليه هذا جزاء من يسفك الدماء ويقتل الأمراء بغير حق، فعزّ ذلك على بعض الأمراء، فلما عرضت رأسه على السلطان رسم بدفنه وأرسل معه ثوبا بعلبكيا وعشرين دينارا، فأعادوا رأسه إلى جثته وغسلوه وكفنوه وصلّوا عليه، ثم توجهوا به إلى تربته التى أنشأها بالقرب من المطعم السلطانى فدفن بها، ولما أرادوا التوجه به أدخلوه من باب زويلة ومعه والى القاهرة وجماعة كثيرة من المماليك السلطانية وهم لابسون آلة السلاح، وكان هذا خوفا على العادل من مماليك الأشرف جانبلاط ومماليك قصروه


(٦) حافلة: حفلة.
(٩) وهواؤه: وهواه.