للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومدبّر المملكة فى دولة الأشرف جانبلاط.

ثم سافر إلى الشام لما عصى قصروه نائب الشام، فتسلطن هناك وعاد وهو سلطان كما تقدّم، فلما دخل إلى القاهرة وصحبته قصروه وبقية النواب، قام قصروه بنصرته قياما حافلا، وصار [يقف على حفر الخندق بنفسه، ويشيل التراب بالقفف على كتفه] (١)، هو ومماليكه، مع الفعلاء، ونصب المكاحل على مدرسة السلطان حسن، ووقّف الرماة بالبندق الرصاص، واستمرّ يحاصر القلعة سبعة أيام؛ فلما كان يوم السبت ثامن عشر الشهر هذا، كسر الأشرف جانبلاط، فحطم العادل وملك باب السلسلة من غير مانع.

فلما استقرّ بباب السلسلة قبض على قاضى القضاة الشافعى محيى الدين عبد القادر ابن النقيب، ووكل به جماعة من الأوجاقية، وقرّر عليه مالا له صورة، فنزلوا به وهو ماشى على أقدامه وحوله أوجاقية، ورسل قابضين (٢) عليه من أكمامه، فشقّوا به من الصليبة وهو على هذه الهيئة، فسبّوه العوام وكادوا أن يرجموه، حتى حماه بعض الأتراك، واستمرّ على ذلك حتى أتوا به إلى بيت على بن أبى الجود البرددار (٣)، وكان ساكنا فى ربع الأشرف برسباى الذى بالصليبة، فأقام هناك فى الترسيم حتى يردّ المال الذى قرّر عليه، وكان قد بلغ العادل ما رتّبه ابن النقيب من الأقسام المغلظة التى حلّفها الأشرف جان بلاط للعسكر، لما بلغه سلطنة العادل بدمشق، فانتقم منه العادل بسبب ذلك وعزله عن القضاء، فكانت مدّته فى هذه الولاية ثلاثة أشهر وثمانية وعشرين يوما، وسيعود إلى القضاء ثانيا عن قريب، وقد قلت فى ذلك:

ولّوك أشرف منصب يا قاضيا … لكن إن عدل الزمان ستنسخ

طبخوا بنار العزل قلبك بعد ذا … وكذا القلوب على المناصب تطبخ

ثم إن العادل طلب قاضى القضاة زين الدين زكريا، فلما توجّهوا إليه امتنع من الحضور واعتذر متوعّكا فى جسده، فلا زالوا به حتى أركبوه وطلع إلى القلعة،


(١) يقف … كتفه: فى ف: ينفق على حفر الخناديق وشيل التراب بالقفة على رأسه وكتفه.
(٢) قابضين: كذا فى الأصل.
(٣) البرددار: البرداد.