ولولا ما أصرفه الأتابكى أزبك على التجاريد، وعمارة الأزبكية، وجهاز ابنته سارة، ما كان ماله ينحصر، وكانت تركته تقارب موجود سلار نائب السلطنة، وقد تقدّم ذكر ذلك، ومن أراد يعلم علوّ همّة الأتابكى أزبك فلينظر ما صنعه من عمارة الأزبكية، وقد أنشأها فى سنة إحدى وثمانين وثمانمائة، وقد مهّد ما كان بها من الكيمان وحفر البركة العظيمة، وأجرى إليها الماء من الخليج الناصرى، وأنشأ هناك الجامع وتلك القصور، وما عدا ذلك من ربوع ودكاكين وحمامات وأسواق وغير ذلك، حتى صارت مدينة على انفرادها، تسكنها الأمراء من المقدّمين وغيرها وأعيان الناس إلى الآن، وصارت تنسب إليه، كما يقال:
ليس الفتى بفتاء يستضاء به … حتى يكون له فى الأرض آثار
ومما عدّ من مساوئ الأتابكى أزبك أنه كان شديد الخلق صعب المراس، إذا سجن أحدا لا يطلقه أبدا، وكان عنده جدّة زائدة وشحّ فى نفسه، جرئ اللسان، مع تكبّر وبطش، وقد فاتته السلطنة عدّة مرار، فكان كما يقال:
إذا منعتك أشجار المعالى … جناها الغضّ فاقنع بالشميم
فلما علم السلطان بموته نزل وصلّى عليه، وكانت جنازته حافلة، ودفن بتربة أستاذه الملك الظاهر جقمق (١)، وهى تربة قانى باى الجركسى. - فلما نزل السلطان وصلّى عليه، فقيل له إن الأمير أزبك اليوسفى أمير مجلس كان، إنه فى النزع وسيموت فى هذه الساعة، فجلس السلطان على مدوّرة فى سبيل المؤمنى ينتظر جنازة الأمير أزبك اليوسفى حتى يصلّى عليه، فلم يمت فى تلك الساعة، فقام السلطان وطلع إلى القلعة؛