للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان كما يقال:

وقائل لى لما أن رأى قلقى … من انتظارى لآمال تعنينا

عواقب الصبر فيما قال أكثرهم … محمودة قلت أخشى أن تخزينا

ثم جاءت الأخبار بأن آقبردى لما مرّ من على بلاد الشرقية كادت طائفة عربان بنى حرام أن تقطعه، فرجموه حتى جاءت رجمة فى وجهه، وسبّوه سبّاقبيحا، وفعلوا به مثل ذلك فى عدة أماكن، وما خلص منهم إلا بعد جهد كبير، وسبب ذلك أنه سلّط عليهم بنى وائل قتلوا منهم فى مدّة المعركة ما لا يحصى، فلما انكسر ومرّ من عليهم انتقموا منه وجرى عليه منهم ما لا خير فيه.

فلما هرب آفبردى وقتل تمراز، اضطربت الأحوال وتزايدت الأهوال، ونزلوا المماليك الجلبان من الطباق، وعطعطوا فى المدينة، وصاروا يدخلون الحارات وينهبون البيوت، حتى نهبوا الربوع التى هى سكن العوام؛ ثم توجّهوا إلى حارة زويلة ونهبوا كل ما فيها، بسبب آن كان لآقبردى حاصلا هناك فيه مال، فهبوا كل ما كان فيه، حتى قيل كان فيه ما يزيد على مائة ألف دينار، غير الخيام والقماش التى كانت هناك، ونهبوا بيوت اليهود التى حوله، ودخلوا الزعر والعبيد ونهبوا القبّة التى فى مدرسة السلطان حسن، وأخذوا الرخام التى بها، والشبابيك النحاس التى بها والأبواب، ومن يومئذ تلاشى حال المدرسة إلى الآن، واستمر النهب والقتل عمّالا ثلاثة أيام متوالية، ولم يجدوا من يردّهم عن ذلك، والمدينة مائجة، وكل من ظفروا به من جماعة آقبردى يقتلونه أشرّ قتلة؛ ثم إن كرتباى الأحمر قبض على المعلم دمنيكوا الذى سبك المكحلة لآقبردى، فقطع رأسه وعلّقها على باب السلسلة، فكان كما قيل فى الأمثال: وربّما عوقب من لا جنى.

وقد خرجت هذه السنة على ما شرح فيها من الفتن والأنكاد، والفساد وخراب البلاد، ووقع فيها الغلاء، وتشحّطت الغلال، وقتل فيها من الأمراء نحو من خمسين أميرا، ما بين مقدّمين (١) ألوف وطبلخانات وعشرات، وقد تقدّم ذكر


(١) مقدمين: كذا فى الأصل.