للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تسعة أشهر، فلما طلع إلى القلعة رسم له السلطان بأن يأخذ تحت إبطه ثوب بعلبكى حتى يرقّ عليه قلب العسكر، يعنى جاء وكفنه تحت إبطه، فلما وقف بين يدى السلطان قبّل الأرض، فأخلع عليه كاملية صوف صينى بصمّور، ورسم له بأن يتوجّه إلى داره، فنزل من القلعة فى موكب حافل، وصحبته الأتابكى تمراز، وآقبردى الدوادار، فوصّلاه إلى داره ورجعا.

وفى ذى القعدة ثارت فتنة كبيرة من المماليك الجلبان، ممن هو من عصبة قانصوه خمسمائة، فلبسوا السلاح وطلعوا إلى الرملة، وحاصروا آقبردى الدوادار وهو فى داره، فلما تزايد الأمر وأحرقوا الربع التى خلف بيت آقبردى عند سوق الجلاق، فلما بلغ السلطان ذلك ركب ونزل إلى باب السلسلة، وجلس بالمقعد المطلّ على سوق الخيل (١)، فلم تخش منه المماليك وتزايد الأمر، ومما أفحشوا المماليك فى حق السلطان، أن قبل ذلك بمدّة طويلة، كان السلطان ينام فى الصيف على الدكة التى بالحوش (٢)، فدخل عليه فى الليل بعض الخاصكية، وقال له: إن المماليك الذى فى طبقة الحوش قد عوّلوا على أن ينشبوا السلطان وهو راقد على الدكة.

فلما بلغ السلطان ذلك بادر وقام من على الدكة، وتحوّل إلى مكان غيره، فلما أصبح وجد ثلاثة أسهم نشاب فى المخدة (٣) التى ينام عليها، فما وسع السلطان إلا تستّر هذا الأمر، ونقل المماليك من طبقة الحوش، وسدّ بابها وقطع سلّمها، انتهى ذلك؛ فاستمرّ السلطان جالسا بالمقعد الذى بباب السلسلة إلى بعد العصر، فبلغه أن آقبردى


(١) الخيل: أضيف بعدها فى ف: بالرملة.
(٢) الحوش: كذا فى الأصل، وفى ف: المطلع.
(٣) فى المخدة … انتهى ذلك: كذا فى الأصل، وفى ف: فى المخدة واللحاف الذى كان للسلطان بسبب النوم والتغطية عليه، فما وسع السلطان إلا أنه فرق المماليك الذى بطبقة المطلع على الأطباق، وجعل على حائط كل طبقة المطلع بناء تستر منه رؤية الحوش، وقيل إن الذى فعل به ذلك وأرمى عليه هو شخص خاصكى من أخصائه يسمى شرمنت، فأحضره وضربه بين يديه نحوا من ألفين عصاة، حتى قيل إنه مات، وضرب معه جماعة من أصحابه وسجنهم بالبرج، وقطع جوامكهم، وأبطل شرمنت من الخاصكية، وذلك قبل فتنة ابن عثمان مع السلطان.