للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إن السلطان نادى للعسكر بأن يقلعوا آلة الحرب ويتوجّهوا إلى بيوتهم، ونادى للناس بالأمان والاطمان، وسكنت تلك الفتنة؛ وكان قانصوه خمسمائة فى هذه السنة جدّد سور (١) باب السلسلة، وأنشأ المقعد المطلّ على الرملة، والمبيت، وحوله أبراج موجودة به إلى الآن.

فلما كان يوم الجمعة صبحة ذلك اليوم قبض بعض مشايخ العربان على الأمير قانصوه الألفى، وكان قد توجّه إلى برّ الجيزة فقبض عليه من هناك، وأحضر إلى بيت آقبردى الدوادار، فقيّده وأرسله إلى السجن بقلعة صفد؛ ثم إن الأمير قانصوه الشامى أرسل يطلب الأمان من السلطان، فأرسل له فى ذلك اليوم منديل الأمان، فلما قابل السلطان أخلع عليه وقرّره فى نيابة حماة، ورسم له بأن يخرج من يومه إلى السفر.

ثم إن آقبردى الدوادار صار يقبض على جماعة من الأمراء الطبلخانات والعشرات ممن كان من عصبة قانصوه خمسمائة، فقبض على قيت الرجبى والى القاهرة، ومصر باى (٢) الثور المعروف بالشريفى، فقيّدوهما وتوجّهوا بهما إلى السجن بالصبيبة (٣)، ثم قبض على آخرين منهم، وهم برسباى الخسيف، وقرقماس الشريفى، وأسنباى المبشّر، وقايتباى المبشّر أيضا، وأزبك قفص ولكن فرّ فى أثناء الطريق، وقبض على سودون الفقيه، فنفى هؤلاء الجماعة عن آخرهم، واستمرّ قانصوه خمسمائة مختفيا لم يظهر، حتى كان ما سيأتى الكلام على ذلك.

وقد انتصف آقبردى الدوادار على عصبة قانصوه خمسمائة، وبدّد شملهم، وفتك فى تلك الأيام، وطاش وخفّ إلى الغاية، واجتمعت فيه الكلمة، وصار صاحب الحلّ والعقد، ليس على يده يد، وكان ذلك من أكبر أسباب الفساد فى حقّه، كما يقال:

كل شئ إذا تناها تواها … كانتقاص البدور عند التمام


(١) سور: صور.
(٢) ومصرباى: كذا فى الأصل، وهو الصحيح، وفى ف: برسباى.
(٣) بالصبيبة، أى بقلعة الصبيبة بالشام.