للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مصر، وكان هذا الطاعون من الطواعين المشهورة بموجب إبطائه هذه المدة، وهو الطاعون الثالث الذى (١) وقع فى دولة الأشرف قايتباى.

وكان مبدأ هذا الطاعون من حلب، وكان فى مدّة انقطاع الطاعون عن مصر كثر بها الزنا واللواط وشرب الخمر وأكل الرباء وجور المماليك فى حق الناس؛ وقد روى عن رسول الله أنه قال: ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالفناء؛ قال العلامة شهاب الدين ابن حجر: والحكمة فى ذلك أن الزنا حدّه إزهاق الروح فى المحصن، فإذا لم يقم فيه الحدّ فيسلّط الله تعالى عليهم الجنّ يقتلونهم، ولما كان الزنا يقع من بنى آدم سرّا فسلّط عليهم الجن يقتلونهم سرّا من حيث لا يرونهم، وقاعدة العذاب أنه إذا نزل يعمّ المستحقّ له وغيره، والرحمة لا تكون إلا مخصوصة، ثم يبعثون يوم القيامة على قدر نيّاتهم؛ وقال ابن مسعود : إذا بخس المكيال حبس القطر، وإذا كثر الزنا وقع الطاعون، وإذا كثر الكذب وقع الهرج، انتهى ذلك.

وفى جمادى الآخرة هجم الطاعون بالقاهرة وفشى جملة واحدة، وفتك فى الناس فتكا ذريعا، وكان قوّة عمله فى المماليك والعبيد والجوار والأطفال والغرباء؛ ووقع فى هذا الطاعون أمور غريبة وحكايات عجيبة، منها أن الكمثرى أبيع كل رطل بأشرفيين ولا يوجد، وأبيعت الكمثراية الواحدة باثنى عشر نصفا؛ ومنها أن إنسانا كان معه خمسة أولاد، فطعنوا الخمسة فى يوم واحد، وماتوا الخمسة فى يوم واحد؛ ومن العجائب أن جماعة كثيرة فرّوا من الطاعون لما دخل إلى مصر، فتوجّهوا إلى أماكن عديدة، فلما ارتفع الطاعون عادوا إلى مصر ولم يفقد منهم ولا من أولادهم أحد، فسبحان القادر على كل شئ، ولما كثر الموت عزّ وجود البعلبكى، وأضرّ ذلك بحال الناس، وكفّنوا موتاهم فى الخام والملحم وغير ذلك.

وفيه توفى برسباى الخازندار أحد خواص السلطان، المتكلم على أوقافه، وكان شابا رئيسا حشما لا بأس به. - وتوفى مغلباى الشريفى الطويل أحد مقدمين (٢) الألوف،


(١) الذى: التى.
(٢) مقدمين: كذا فى الأصل.