للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى المحضر أن المؤذّن لما طلع على المئذنة (١) الشرقية لأجل التسبيح، فرأى صاعقة عظيمة نزلت من السماء على المسجد الشريف، فعملت فيه النار، فلما عاين المؤذّن ذلك خرس ونزل من المئذنة (١)، فأقام ساعة ومات، وقد عاينوا الناس عدّة أطيار بيض بأعناق طوال طائفة حول المسجد، تمنع النار أن لا تحرق البيوت التى حول المسجد، وأن المسجد جميعه قد احترق حتى صار كالتنور؛ فلما سمع السلطان ذلك بكى وبكى من كان حوله، وتعجّب الناس لهذه الواقعة كيف جرت فى مثل هذا المكان الشريف، فأخذ شيخنا شمس الدين محمد القادرى يعتذر عن ذلك، وهو قوله:

بطيبة سيّئات الركب بدّلها … ربّ العلا حسنات عند ما زاروا

وعند ما قبلت ضاهت لذى حرم المختار … من أكلت قربانه النار

واعتذر آخر عن ذلك:

لم يحترق حرم النبىّ لحادث … يخشى عليه ولا دهاه العار

لكنما أيدى الروافض لامست … ذاك الجناب فطهّرته النار

واعتذر آخر عن ذلك:

قالوا لقد غاب الصواب لحادث … تبنى عليه رضاهم الكفّار

بل ضمّ شمل السحت وهو محرم … عند الرسول فحرّقته النار

ثم إن السلطان شرع فى تجديد عمارة المسجد الشريف، فعيّن الخواجا شمس الدين محمد بن الزمن، بأن يتوجّه إلى المدينة الشريفة لعمارة المسجد، وأرسل معه عدّة من البنائين والنجارين والمرخمين وغير ذلك، وأمر بهدم القبّة الشريفة وإعادتها، وتغيير المقصورة وتجديد غيرها من الحديد المخرم، وكانت من الخشب، وتغيير المنبر والمآذن (٢) التى كانت بالحرم؛ ثم توجّه ابن الزمن إلى هناك وشرع فى البناء، حتى انتهى منه العمل فى أواخر سنة سبع وثمانين وثمانمائة، فجاء غاية فى الحسن، من أجلّ الأبنية وأعظمها، حتى قيل إن السلطان أصرف على بنائه نحوا من مائة ألف دينار، وجدّد سائر معالمه وتناهى فى زخرفه ورخامه إلى الغاية؛


(١) المئذنة: الماذنه.
(٢) والمآذن: والمواذن.