للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على رمح، وألبسوا رأس الأمير يشبك تخفيفته الكبيرة لما طافوا بها؛ وطافوا بالنواب والأمراء الذين (١) أسروا وهم فى قيود وزناجير، والمماليك الذين أسروا مشاة، وأرسل باينذر إلى يعقوب بن حسن بجميع ما نهب للعسكر، من خيول ومال وسلاح وقماش وبرك، وغير ذلك أشياء كثيرة ما لا تحصى، وكانت هذه الكسرة على عسكر مصر من الوقائع الغريبة.

وكانت قتلة الأمير يشبك فى العشر الأخير من رمضان سنة خمس وثمانين وثمانمائة بالرّها، فكانت مدة الأمير يشبك فى الدوادارية الكبرى نحو أربع عشرة سنة، إلى أن قتل بالرّها كما تقدم القول على ذلك؛ وكان الأمير يشبك أميرا جليلا معظّما، فى سعة من المال، ذات شهامة زائدة، وحرمة وافرة، وكلمة نافذة، وكان أصله من مشتراوات الظاهر جقمق، وكان يعرف بيشبك من مهدى، ورقى فى دولة الأشرف قايتباى حتى صار صاحب الحلّ والعقد بالديار المصرية، واجتمع فيه عدة وظائف سنية، منها: الدوادارية الكبرى، وأمرة السلاح، والوزارة، والأستادارية الكبرى، وكاشف الكشّاف، ومدبّر المملكة، وغير ذلك من الوظائف السنية، فعظم أمره جدا، ووقع له أشياء غريبة لم تقع لغيره من أبناء جنسه فى عصره، ومات وله من العمر نحو من ستة وخمسين سنة، وقد وكزه الشيب قليلا، وكان صفته أبيض اللون، ومدوّر الوجه، أشهل العينين، أشقر اللحية، طويل القامة، ملىّ الجسد.

وأنشأ أشياء كثيرة من العمائر بالديار المصرية، ما بين ربوع وحوانيت، ودور جليلة، وصهاريج، والمغسل، وأسبلة، وزوايا (٢)، وأنشأ قبة بالمطرية، وقبة برأس الحسينة، وتربة عظيمة بالقرب من زاوية كهنبوش، وغير ذلك من الزوايا (٣) والآثار الحسنة؛ وكان له فى كل سنة عدة شقادف محمّلة على جمال، ومعها الزاد والماء، تلاقى الحجاج من العقبة، بسبب المنقطعين من الحجاج، وله غير ذلك أشياء كثيرة من وجوه البرّ والمعروف؛ وكان له محاسن ومساوئ، وفيه الخير والشر، وقد ساقه أجله حتى


(١) الذين: الذى.
(٢) وزوايا: وزوايه.
(٣) الزوايا: الزاوية.