البرج الذى أنشأه بها، ثم كشف (١) عن البرج الذى أنشأه بثغر الإسكندرية مكان المنار القديم، فجاء من محاسن الزمان، ومن أعظم الأبنية، وأجلّ الأثار الحسنة، ومن نوادر أفعال الملوك، كما قيل:
ليس الفتى بفتاء يستضاء به … حتى يكون له فى الأرض آثار
وقيل صفة بنيان هذا البرج أن دهليزه عقد على قناطر فى البحر الملح من الساحل حتى ينتهى إلى البرج، وقد بنى على أساس المنار القديم الذى كان بالإسكندرية، وأنشأ بهذا البرج مقعدا مطلاّ على البحر، ينظر منه من مسيرة يوم إلى مراكب الفرنج وهى داخلة إلى المينة، وجعل بهذا البرج جامعا بخطبة، وطاحونا وفرنا وحواصلا، وأشحنهم بالسلاح؛ وجعل حول هذا البرج، مكاحلا معمّرة بالمدافع ليلا ونهارا، بسبب أن لا تطرق الفرنج للثغر على حين غفلة، وجعل به جماعة من المجاهدين قاطنين به دائما، وأجرى عليهم الجوامك والرواتب فى كل شهر، وجعل عليهم شادا من خواصه يقال له قانصوه المحمدى، وهو الذى ولى نيابة الشام فيما بعد، وصار يعرف بقانصوه البرجى؛ وقيل إن السلطان أصرف على بناء هذا البرج زيادة على المائة ألف دينار، وأوقف عليه الأوقاف الجليلة، وجاء من أحسن الآثار والمعروف؛ ثم إن السلطان أقام بثغر الإسكندرية أياما ورحل عنها؛ ثم جاءت الأخبار بأن السلطان دخل إلى دسوق وزار سيدى إبراهيم الدسوقى وهو ماشى، وحوله الأمراء؛ واستمرّ السلطان غائبا فى هذه السفرة إلى أواخر هذا الشهر.
ومن الحوادث فى غيبة السلطان توفيت خوند زينب والدة الملك المؤيد أحمد، وهى زوجة الأشرف أينال، وكانت من أجلّ الخوندات قدرا، ورأت فى دولة زوجها الأشرف أينال غاية العزّ والعظمة، حتى صارت تدبّر أمور المملكة من ولاية وعزل، وكانت نافذة الكلمة وافرة الحرمة، فى سعة من المال، ولم تتزوج غير
(١) ثم كشف - الإسكندرية: هذه الجملة ناقصة فى الأصل، وقد نقلناها عن نسخة الفاتيكان.