للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيه نزل السلطان وتوجّه إلى برّ الجيزة، فكشف عن خيوله، وأقام هناك أياما، ثم توجّه إلى جهة منوف العليا، وكشف عن جسورها، وأمر بإصلاحهم، وأقام هناك أياما وعاد إلى الجيزة؛ ثم سافر من هناك إلى الفيوم، وكان عزم عليه خاير بك من حديد ليرى البستان الذى (١) أنشأه هناك، وهذه ثالث سفرة إلى الفيوم، وكان معه فى هذه المرّة الأتابكى أزبك وتمراز الشمسى رأس نوبة النوب، وكان معه من الأمراء العشرات ومن الخاصكية عدّة وافرة، فلما وصل إلى الفيوم تلقّاه خاير بك من حديد، وكان مقيما بالفيوم، فأخلع عليه خلعة حافلة، وأقام هناك أياما وهو فى أرغد عيش على سبيل التنزّه، فبينما هو على ذلك إذ ورد عليه من جهة الصعيد بأن عرب هوّارة ثاروا، مع يونس بن عمر، على سيباى كاشف الوجه القبلى، فكسروه، ووقع بينهما مقتلة قتل فيها جماعة كثيرة من الجند والبلاصية، فتنكّد السلطان لهذا الخبر وقصد بأن يتوجّه من هناك إلى جهة الصعيد، فمنعوه الأمراء من ذلك، وكان الأمير يشبك متمرضا برجله وهو بالقاهرة، فأرسل السلطان يستحثّه فى سرعة السفر إلى جهة الصعيد.

وفى ذى الحجة عاد السلطان من سفره من الفيوم، فلما استقر بالقلعة أخلع على بركات بن يحيى بن الجيعان، وقرّره نائب كاتب السرّ، عوضا عن نور الدين الإنبابى بحكم موته، وهذه أول عظمة الزينى بركات بن الجيعان. - وفيه توفى الناصرى محمد بن قرقماس الحنفى، وكان عالما فاضلا من أعيان الحنفية، وكان يدّعى معرفة الحرف وعلم الكيمياء (٢)، وكان ولى مشيخة تربة الظاهر خشقدم، ومولده سنة اثنتين وثمانمائة، وكان ناظما ناثرا، وله عدة مصنّفات، منها: كتاب زهر الربيع فى شواهد البديع، وغير ذلك من التآليف، وله عروض مقامات الحريرى، وكان يدّعى دعاوى عريضة، ومن نظمه الرقيق وهو قوله:

إذا منّ من تهوى عليك بنظرة … أماط الجوى من نار قلبك والبلوى

فكن شاربا صبرا لمرّ صدوده … فما ذاق منّ الوصل من همّ بالسلوى


(١) الذى: التى.
(٢) الكيمياء: الكيماء.