للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت المماليك الجلبان الخشقدميّة فئتين، فئة مع الأمير خاير بك الدوادار، وفئة مع ابن العينى؛ فلما تعصّبت الأمراء للأتابكى يلباى، فما وسع خاير بك إلاّ الموافقة على ذلك؛ فأحضر الخليفة والقضاة الأربعة، وأحضروا إليه شعار السلطنة، وهى الجبّة والعمامة السوداء، والسيف البداوى، فبايعه الخليفة، وتلقّب بأبى سعيد الظاهر، كخشقدم.

فلما تمّت بيعته أفيض عليه شعار الملك، وكانت مبايعته بالقصر الكبير، فما ركب فرس النوبة، ولا حمل القبّة والطير على رأسه، ولا مشت قدّامه الأمراء، فجلس على سرير الملك، والباقى للغروب نحوا من خمس درج؛ وفى ذلك اليوم سقط باب القصر الكبير، فما أمكن الدخول إلى القصر إلاّ من الإيوان، فتفاءل الناس بسرعة زوال ملكه عن قريب، وكذا كان.

فلما جلس على سرير الملك، باس له الأمراء الأرض، وضربت له البشائر بالقلعة، ونودى بسلطنته فى القاهرة، فلم يدع (١) له أحد من الناس، ثم أخلع على المقرّ السيفى تمربغا، أمير مجلس، وأقرّه فى الأتابكية، عوضا عن نفسه؛ وأخلع على الخليفة، ونزل إلى داره؛ ثم إنّ الظاهر يلباى بات تلك الليلة بالقصر.

فلما أصبح يوم الأحد حادى عشره، أشار عليه خاير بك الدوادار، بأن يرسل بالقبض على الأمير قرقماس الجلب، وأرغون شاه أستادار الصحبة، فإن خاير بك خشى من قرقماس الجلب، أن تقوم معه الأشرفيّة، فإنه كان رأس الأشرفيّة، وترشّح أمره إلى السلطنة غير ما مرّة، فأرسل الظاهر يلباى مراسيم بالقبض عليه، وكان قد توجّه إلى جهة الصعيد، هو والأمير يشبك الفقيه الدوادار، بسبب ما وقع بين يشبك من مهدى كاشف الوجه القبلى، وبين يونس بن عمر، أمير عربان هوارة، وقد تقدّم ذكر ذلك، فكان هذا أول مساوئ الظاهر يلباى. - ثم فى يوم الاثنين عمل الموكب، وهو أول مواكبه، فأخلع على الأمير قانى باى المحمودى (٢)، وقرّر فى إمرة مجلس، عوضا عن تمربغا، بحكم تقرّره فى الأتابكية.


(١) فلم يدع: فلم يدعوا.
(٢) المحمودى: المحمدى.