للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالسلطان، وظهرت عليه علامات الموت، تكلّم جماعة من خواصّه معه، بأن يخلع نفسه من الملك، ويولّى ولده الأتابكى أحمد، فأجاب إلى ذلك.

ثم نزل الأمر عن لسانه، بحضور الخليفة والقضاة الأربعة، ثم طلب أرباب الدولة من أهل الحلّ والعقد، فلما تكامل المجلس، دخلوا على السلطان وهو فى النزع، فشهدوا عليه بخلع نفسه من السلطنة، وأن يسلّم الأمر إلى ولده الأتابكى أحمد، فأشهد على نفسه بذلك؛ ثم إن الخليفة بايع الأتابكى أحمد بالسلطنة، وأحضر إليه شعار السلطنة، فأفيض عليه، وركب من الدهيشة قاصدا للقصر الكبير، وكان من أمره ما سنذكره فى موضعه.

فأقام السلطان أينال، بعد سلطنة ولده، يوما (١) وليلة، حتى مات، فكانت وفاته فى يوم الخميس بعد العصر، وذلك فى خامس عشر جمادى الأولى، سنة خمس وستين وثمانمائة، ومات بألم المحاشم؛ ولما مات بعد العصر، دفن فى أواخر ذلك اليوم، فى تربته التى فى الصحراء، التى أنشأها الجمالى يوسف ناظر الخاص.

فلما صلّوا عليه بالقلعة، ونزلوا به من سلّم المدرّج، قعد الناس لرؤيته، وكثر عليه الحزن والأسف والبكاء؛ وكان له من العمر لما توفّى، نحوا من إحدى وثمانين سنة، وكانت مدّة إقامته فى السلطنة بالديار المصرية والبلاد الشامية، ثمان سنين وشهرين وستة أيام، وعاش هذه المدّة، وهو فى أرغد عيش بين أولاده، وكان غالب الأمراء أصهاره، وخضع له الأمراء والعسكر قاطبة، وصفا له الوقت فى مدّة سلطنته، حتى مات وهو على فراشه، فكان كما قيل:

هى الدنيا إذا كملت … وتمّ سرورها خذلت

وتفعل بالذين بقوا … كما فيمن مضى فعلت

ولما مات، خلف من الأولاد أربعة، وهم: الأتابكى أحمد الذى تسلطن بعده، والمقرّ الناصرى محمد أخاه الصغير، وابنته خوند بدرية زوجة برد بك، وابنته خوند فاطمة زوجة الأمير يونس البواب الدوادار الكبير.


(١) يوما: يوم.