للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعلها كالسطور، تقرأ بألفاظ، مثل: «نصر من الله، وفتح قريب»، وما أشبه ذلك؛ ووكّل بها جماعة بأيديهم مقاريض من الذهب والفضّة، يصلحون ما يفسد من الأوراق، ويخرج عن قالب الاعتدال من الخروف؛ وكان يسحق المسك والكافور، وينثره على تلك الرياحين والأزهار، وقد قيل فى المعنى:

بستان مجلسك الجنىّ ثماره … لم يبد إلا وهو فى أكمام

والزهر مختلف به ألوانه … ولقد يجلّ ثراه عن نمام

ثم إنّه ألبس قوائم الأشجار الكبار بالنحاس الأصفر، وطلى (١) فوقه بالذهب، فكانت الشمس إذا طلعت على تلك الأشجار، لا يقدر أحد أن ينظر إليها، من شدّة اتّقادها تكاد تخطف بالأبصار.

ثم صنع فى ذلك البستان بحرة كبيرة، وملأها من الزئبق، وكان يضع له على ذلك (٢) الزئبق فراشا من جلد الحيّات (٣)، أنعم من الحرير، وله حركات، يمتلئ بالريح، ثم يسدّ فاه بحبل، ويطرح له فراش على ذلك الجلد، وينام عليه.

قال بعض المؤرّخين: إنّ خمارويه كان يعتريه ضربان المفاصل، فكان لا ينام الليل، فصنع له ذلك لعلّ يجد له راحة، وينام ساعة.

[وفى سنة ثمان وسبعين ومائتين، ظهر فيه نجم الذنب، وكان له ذؤابتان، ثم طارت منه ذؤابة، وبقيت الأخرى أياما، ثم اضمحلّ جميعه، فتطيّر الناس من ذلك.

وفى أيامه سنة ثمان وسبعين ومائتين، احترق بحر النيل جميعه، حتى لم يبق (٤) منه شئ، فكان الناس يشربون من الحفائر، وهذا شئ لم يعهد بمثله فيما تقدّم] (٥).

قال ابن وصيف شاه: خرج خمارويه يوما إلى الفضاء فلقيه أعرابى، فأخذ بعنان فرسه، وأنشد يقول:


(١) وطلى: وطلا.
(٢) ذلك: تلك.
(٣) الحيات: الحياة.
(٤) لم يبق: لم يبقى.
(٥) وفى سنة … بمثله فيما تقدم: كتبت فى الأصل على هامش ص ٨٣ آ.