للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان كريم اليد، سخىّ النفس، منقادا إلى الشريعة، يحبّ العلماء والصلحاء؛ وكان عنده التواضع، يصلّى على من يموت من أهل مصر، من فقير أو غنىّ؛ وكان له اشتغال بالعلم، وطلب الحديث؛ وكان يتصدّق فى كل أسبوع على فقراء البلد، بثلاثة آلاف دينار، غير الرواتب الجارية على أهل المساجد والزوايا، فى كل شهر ألف دينار؛ وكان يرسل إلى مجاورين (١) الحرمين فى كل سنة كسوة الشتاء والصيف.

وكان نافذ الكلمة، وافر الحرمة، استقلّ فى أيامه بملك مصر، ولم يدخل تحت طاعة خلفاء بغداد؛ وكان حكمه من بلاد الغرب إلى الفرات، وفتح فى أيامه مدينة أنطاكية، وغيرها من البلاد؛ وكان الناس يخيّرونه على خلفاء بغداد فى عدله بين الرعيّة.

غير أنّه كان شديد الغضب، سيّئ الخلق، سفّا كاللدماء، إذا قدر لم يعف (٢)، حتى قيل مات فى حبسه ثمانية عشر ألف إنسان؛ ولما مات دفن خارج باب القرافة.

قال بعض الثقات: كنت أرى شيخا من أهل العلم، يقرأ على قبر الأمير أحمد ابن طولون فى كل يوم، ثم رأيته بعد ذلك ترك القراءة على قبره، فسألته عن ذلك، فقال لى: «كان للأمير أحمد علىّ من البرّ والإحسان ما لا أطيق وصفه، فأحببت أن أواسيه بشئ من القرآن بعد موته، فرأيته فى بعض الليالى فى المنام، فقال لى:

يا فلان، بالله لا ترجع تقرأ على قبرى شيئا، فلا تمرّ بى آية من القرآن إلا قيل لى: أما سمعت هذه الآية فى دار الدنيا، فهل لا كنت تعمل بها؟ وما رأيت أشدّ على ملوك الدنيا من الحجّاب، فى كتمهم لحوايج المظلومين عن الملوك».

وقد قيل فى المعنى:

ولو أنّا إذا متنا تركنا … لكان الموت راحة كل حىّ

ولا كنّا إذا متنا بعثنا … ونسأل بعد ذا عن كل شىّ


(١) مجاورين: كذا فى الأصل
(٢) لم يعف: لم يعفوا.