الإسلام، حافظ العصر، علاّمة الوجود، قاضى القضاة الشافعية شهاب الدين أحمد ابن على بن محمد بن محمد بن على بن أحمد بن حجر الكنانى العسقلانى الشافعى، وكان يكنى بأبى الفضل أحمد، ومولده فى سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وكان عالما فاضلا بارعا فى العلوم، ناظما ناثرا، محدّثا ماهرا فى الحديث، ورحل إلى الأقطار فى طلب الحديث، وأخذ العلم عن الشيخ زين الدين العراقى، والشيخ سراج الدين البلقينى، والإبناسى، وابن الملقن، والشيخ عزّ الدين بن جماعة، والشيخ مجد الدين صاحب القاموس، وغير ذلك من المشايخ والعلماء؛ وألّف نحوا من مائة كتاب، وتولّى القضاء الأكبر غير ما مرّة، وانتشر ذكره فى الآفاق، وحسنت سيرته، وكان متواضعا ليّن الجانب، حسن المحاضرة، كثير البرّ والصدقات، فى سعة من المال، وكان فى مبتدأ أمره تاجرا، وتوجّه إلى اليمن غير ما مرّة، وساح فى غالب بلاد اليمن فى طلب الحديث، ولم يأت بعده مثله، وكان نادرة عصره فى كل فن؛ ولما مات أمطرت السماء فى ذلك اليوم على نعشه مطرا خفيفا، فعدّ ذلك من النوادر، وفى هذه الواقعة يقول المنصورى:
قد بكت السحب على … قاضى القضاة بالمطر
وانهدم الركن الذى … كان مشيّدا من حجر
وقد رثاه الشهاب الحجازى بهذه الأبيات:
كل البريّة للمنيّة صابرة … وقفو لها شيئا فشيئا سائرة
والنفس إن رضيت بذا ربحت وإن … لم ترض كانت عند ذلك خاسرة