للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لاقاه طوغان الأشرفى أحد الزردكاشية، وأزدمر الخاصكى، وكان مع العزيز حين نزل من القلعة طواشى صغير، فلما وصل العزيز إلى رأس الصوّة، أشار عليه طوغان بأن يختفى أياما، حتى يتوجّه به إلى الشام، ولو صحّ ذلك وتوجّه إلى الشام، لقامت لنصرته النوّاب وعاد إلى السلطنة، ولكن لم تساعده الأقدار.

فمضى العزيز، والطواشى الذى معه، والطباخ، واختفوا وصاروا ينقلونه من مكان إلى مكان، والعزيز ماشى على أقدامه فى ظلام الليل، وهو يتعثّر، وقد راحت السكرة، وجاءت الفكرة، كما قيل: «ما يفعل الأعداء (١) فى جاهل، ما يفعل الجاهل فى نفسه» وقيل إنه اختفى بعض الليالى فى معصرة، ونام على قشّ القصب، ووقع له فى مدّة اختفائه شدائد عظيمة وأهوال، إلى أن قبض عليه على ما سنذكره.

وفى شوال، ليلة الفطر، وقع الاضطراب بالقلعة بسبب هروب الملك، وضاق الأمر على الظاهر جقمق حتى كادت روحه تزهق من القهر، وما كفاه عصيان النوّاب، واضطراب أحوال البلاد الشامية، حتى جاءه هروب الملك العزيز زيادة على ذلك. - فلما طلع النهار، صلّى صلاة العيد بالقصر الكبير، وأحضر هناك منبر صغير (٢)، فخطب عليه قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر، خطبة مختصرة، وأوجز فيها، وانفضّ الموكب والناس فى تخوّف عظيم، يلهجون بوقوع فتنة كبيرة، ووقف حول السلطان حماة (٣) يحرسونه من أحد يقتله من المماليك الأشرفية.

وكان قرّر أينال الأشرفى فى تلك السنة أمير حاج، وعمل له يرق عظيم، فلما هرب [العزيز] (٤) اختفى أينال فى تلك الليلة، فثبت عند الناس أن أينال أخذ العزيز، وهرب به على الهجن نحو الشام، وكان أينال الجكمى خرج عن الطاعة، ومنع اسم الملك الظاهر من الخطبة بدمشق، وصار يخطب باسم الملك العزيز، فما شكّ أحد من الناس أن أينال الأشرفى توجّه بالعزيز إلى الشام، وكان أينال خاف على نفسه لما بلغه هروب الملك العزيز، فاختفى.


(١) الأعداء: فى باريس ١٨٢٢ ص ٣٥٥ آ: القراء.
(٢) منبر صغير: منبرا صغيرا.
(٣) حماة: فى باريس ١٨٢٢ ص ٣٥٥ آ: جماعة.
(٤) [العزيز]: تنقص فى الأصل.