للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأخفافهم وثيابهم، وصاروا كلما يطلعوا من الماء يغمسونهم، حتى أغمى عليهم، وكادوا أن يموتوا غمّا فى الماء، وكان القاصد، ويسمى الشيخ صفا، أغلظ على السلطان فى المجلس بالكلام اليابس؛ ثم إن السلطان أمر بنفى القاصد وجماعته إلى مكّة المشرّفة، فتوجّهوا إليها من البحر الملح، واختفى أمرهم عن شاه روخ، حتى أوقفه عن سرعة المجئ إلى البلاد السلطانية، فعدّ ذلك من حسن رأى الملك الأشرف برسباى، حتى يستقيم أمره فى خروج التجريدة.

وفيه عاد شاد بك، الذى كان توجّه إلى ابن ذلغادر بسبب إحضار جانى بك الصوفى، وقد بلغ السلطان أنه قبض عليه وسجنه بالأبلستين، فلما وصل شاد بك إلى ذلغادر، وجده قد أطلق جانى بك الصوفى من السجن وأزوجه ابنته، وهو عنده فى أرغد عيش، فلما رجع شاد بك إلى السلطان بهذا الخبر، اضطربت أحواله من سائر الجهات، فكان كما قيل:

ما بين طرفة عين وانتباهتها … يغيّر الله (١) من حال إلى حال

فلما تحقّق السلطان إطلاق جانى بك الصوفى من السجن، وصهارته لابن ذلغادر، وتحرّك شاه روخ عليه، اشتدّ به القهر، وكان ذلك سببا لموته، كما سيأتى ذكر ذلك.

وفى رجب، أخلع السلطان على القاضى محب الدين محمد بن عثمان بن سليمان الكردى التركمانى الحنفى، المعروف بابن الأشقر، واستقرّ كاتب السرّ بمصر، عوضا عن جمال الدين بن البارزى، بحكم توجّهه إلى دمشق؛ وقرّر الشهابى أحمد بن الأشقر فى مشيخة خانقة سرياقوس، عوضا عن أبيه محب الدين.

وفيه جمع السلطان الأمراء وحلّفهم لنفسه، وكانوا يومئذ أربعة عشر أميرا، مقدّمين ألوف (٢)، فحلفوا الجميع أن لا يخرجوا عن طاعته، ثم عيّن منهم سبعة يسيرون قبله، ويقيمون بحلب، وسبعة يخرجون معه إذا سافر؛ وعيّن من المماليك السلطانية،


(١) الله: الدهر.
(٢) مقدّمين ألوف: كذا فى الأصل.