للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الأمير آقباى الكركى مع ذلك يعاديه قديما، فما زال يدبّر عليه حتى نزل من الاصطبل السلطانى، خوفا على نفسه من كثرة جموع يشبك، وجرأة آقباى، وميل السلطان معهم؛ فعند ما نزل شقّ عليه فطامه عن التحكّم، وكفّه عن الأمر والنهى، فخرج ليأتى إليه المماليك السلطانية، وغيرهم، ويحارب بهم يشبك، وطائفته، ويخرجهم من مصر، أو يقبض عليهم، ويستبدّ بعدهم بالأمر.

فجاء حساب الدهر غير حسابه، ولم يخرج إليه أحد؛ وولّى السلطان عوضه فى الاصطبل الأمير أينال باى بن قجماس، فى يوم الاثنين عشرينه، واستقرّ أمير آخور، وسكن فى الحراقة بباب السلسلة، على (١) العادة فى ذلك.

وبعث إلى سودون طاز بالأمير قطلوبغا الكركى، يأمره بالعود على إمريته، من غير إقامة فتنة، وإن أراد البلاد الشامية، فله ما يختار من نيابات السلطنة بها؛ فامتنع، وقال: «لا بدّ من إخراج آقباى الكركى أولا إلى بلاد الشام، ثم إذا خرج كان فى طاعة السلطان، فإن شاء أقرّه على إمرته، وإن شاء أخرجه، وإن شاء حبسه»

فلم يوافق السلطان على إخراج آقباى، وبعث إليه ثانيا الأمير بشباى، الحاجب، فلم يوافق؛ فبعث إليه مرّة ثالثة، وهو مقيم على ما قال.

فلما أيس (٢) منه السلطان أن يوافق، ركب بالعساكر من قلعة الجبل، وقد لبسوا للحرب، ونزل فى يوم الأربعاء سادس ربيع الأول، فلم يثبت سودون طاز، ورحل بمن معه، وهم نحو الخمسمائة من المماليك السلطانية، ومماليكه؛ وقد ظهر الأمير قنباى، ولحق به من نحو عشرة أيام، وصار من حزبه وفريقه.

فتبعه السلطان، وهو يظنّ أنّه توجّه نحو بلبيس؛ وعند ما حاذى سرياقوس مضى إليها، وسلك على الخليج إلى جهة القاهرة، وعبر من باب البحر بالمقس، إلى الميدان، وهجم قنباى فى عدّة كبيرة على الرميلة، تحت القلعة، ليأخذ باب السلسلة، فلم يقدر


(١) على: عن.
(٢) أيس، من اليأس.