للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثالث عشرينه، إلى مجلس السلطان، فقبّل الأرض، وأخلع عليه السلطان جبّة حرير مطرّزة، على عادته، واستقرّ فى الأستادارية، ونظر الجيش، ونظر الخاص، على إقطاعه، وأضيف إليه الذخيرة، ودواليب خاص الخاص؛ وعزل ناصر الدين محمد ابن سنقر.

وفيه نزل ابن غراب إلى بيت الأمير جكم، الدوادار، فمنعه من الدخول عليه، وردّه، فصار إلى داره؛ وما زال حتى دخل مع الأمير سودون من زادة إلى عند الأمير جكم، فقبّل يده، فلم يكلّمه كلمة، وأعرض عنه، ولولا كان الأمير سودون معه، كان حلّ به من الأمير جكم ما لا خير فيه، وكان جكم العوضى يكره ابن غراب؛ وقيل كان الملك الناصر يخاف من جكم هذا أشدّ الخوف، فلما رأوا (١) جكم ساكنا، لم يكلّمهما، فازدادوا (٢) منه خوفا، فكان كما يقال فى المعنى:

إنّ الأسود لتخشى وهى ساكنة … والكلب يخزى لعمرى وهو نباح

وآخر الأمر رضى عنه الأمير جكم. - وفيه توقّف النيل قبل الوفاء، فضجّ الناس لذلك، وتشحّطت الغلال، وتناهى (٣) سعر القمح فى هذه المدّة إلى أربعة أشرفية كل أردب، فلطف الله تعالى بالعباد، فزاد النيل فى يوم واحد ثمانية وأربعين أصبعا، وتأخّر عن الوفاء ست عشرة أصبعا، فأوفاها فى الليل، وزاد خمسة أصابع، وفى ذلك يقول القائل:

يا نيل مصر كم يد لك بالوفا … أوليتنا بالكسر جبرا دائما

أوفيت قبل الكسر خمس أصابع … كرما فكانت للوفاء خواتما

وفيه جاءت الأخبار، بأنّ نائب حلب خامر، وأظهر العصيان. - وفيه، فى يوم الخميس سلخه، أنفق الأمير القاضى سعد الدين بن غراب، تتمّة النفقة على المماليك السلطانية، فأعطى كل واحد ألف درهم، وعند ما نزل من القلعة، أدركه عدّة من


(١) رأوا: رأو.
(٢) فازدادوا: فادادوا.
(٣) وتناهى: وتناها.