فخرج إلى مخيّمه، وبات به؛ ودخل يوم الخميس، ووعد الناس بخير، وخرج، ومع ذلك القلعة ممتنعة عليه.
فلما كان ليلة الجمعة، نزل أهل القلعة إلى المدينة، وقتلوا من أصحاب مرزة شاه رجلين، كان أقرّهما بالمدينة؛ فغضب من ذلك، وأشعل النار فى أرجاء البلد، واقتحمها أصحابه، يقتلون ويأسرون وينهبون، حتى صارت كمدينة حلب، سوداء مغبرة، خالية من الأنيس.
وفيه تكاثر جمع الناس بدمشق، بمن فرّ إليها من مملكة حلب، وحماة، وغيرها، واضطربت أحوال الناس بها، وعزموا على مفارقتها، وخرجوا منها شيئا بعد شئ، يريدون القاهرة.
وفيه ركب شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقينى، وقضاة القضاة، والأمير آقباى، حاجب الحجّاب، والأمير مبارك شاه، الحاجب، ونودى بين أيديهم بالقاهرة، من ورقة تتضمّن أمر الناس:«بالجهاد فى سبيل الله، لعدوّكم الأكبر تمرلنك، فإنّه أخذ البلاد، ووصل إلى حلب، وقتل الأطفال على صدور الأمّهات، وأسر العباد، وأخرب الدور، والمساجد، والجوامع، وجعلها اصطبلات للدواب، وهو قاصدكم، يخرب بلادكم، ويقتل رجالكم وأطفالكم، ويسبى حريمكم»، فاشتدّ جزع الناس، وكثر صراخهم، وعظم عويلهم، وكان يوما شديدا.
وكان الملك الناصر، كلما طرقته أخبار تمرلنك، يتشاغل عنها بشرب الخمور، وسماع الزمور، حتى تمكّن تمرلنك من البلاد، وعمّ فيها الفساد، كما قيل فى المعنى:
كم لى أنبّه منك مقلة نائم … لم تهد غير سروره الأحلام
فكأنه إذ جئته مستصرخا … طفل يحرّك مهده فينام
وفيه جاءت الأخبار بوفاة صاحب اليمن، الملك الأشرف إسمعيل بن عبّاس، وكان ملكا كفوا لملك اليمن؛ فلما مات تولّى ابنه بعده، الناصر أحمد.
وفى شهر ربيع الآخر، فيه، أوله الجمعة، فيه، فى ثالثه، قدم أسنبغا السيفى، الحاجب، وأخبر بأخذ تمرلنك مدينة حلب، وقلعتها، باتّفاق دمرداش معه، وأنّه