للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما أشرقت الشمس يوم السبت حادى عشره، خرجت نوّاب الشام بالعساكر، وعامة أهل حلب، إلى ظاهر المدينة، وعبّوا للقتال؛ ووقف سودون، نائب الشام، فى الميمنة، ودمرداش فى الميسرة، وبقيّة النوّاب فى القلب، وقدّموا أمامهم عامة أهل حلب.

فزحف تمرلنك بجيوش قد سدّت الفضاء، فثبت الأمير شيخ، نائب طرابلس، وقاتل هو وسودون، نائب دمشق، قتالا شديدا عظيما؛ وبرز الأمير عزّ الدين أزدمر، أخو أينال اليوسفى، وولده يشبك بن أزدمر، فى عدّة من الفرسان، وأبلوا بلاء عظيما، وظهر عن أزدمر وولده من الإقدام ما تعجّب منه كل أحد، وقاتلا قتالا عظيما، فقتل أزدمر، وفقد خبره، وثخنت جراحات يشبك، وصار فى رأسه فقط، زيادة على ثلاثين ضربة بالسيف، سوى ما فى بدنه، فسقط بين القتلى، ثم أخذ وحمل إلى تمرلنك.

ولم يمض غير ساعة حتى ولّت العساكر تريد المدينة، وركب أصحاب تمرلنك أقفيتهم، فهلك تحت حوافر الخيل من الناس عددا لا يدخل تحت حصر؛ فإنّ أهل حلب خرجوا، حتى النساء والصبيان، وازدحم الناس مع ذلك فى دخولهم من أبواب المدينة، وداس بعضهم بعضا، حتى صارت الرمم طول القامة، والناس تمشى من فوقها.

وكان بين الفريقين وقعة (١) تشيب منها النواصى، وقد دهمتهم عساكر تمرلنك مثل أمواج البحار المتلاطمة، ومالت عليهم كتائب الجنود المتزاحمة، فلم تثبت لهم العساكر الشامية، ولا الحلبية، وولّوا على حمية، وقد داست حوافر الخيل أجساد العامة، وحلّ بهم من البؤس كل داهية طامة.

وكان غالب أهل حلب احتمى بالمساجد والمزارات، فدخل إليهم (٢) الجمّ الغفير (٣) من النساء والرجال والأطفال، واقتحمت عساكر تمرلنك المدينة، وأشعلوا بها النيران، وجالوا بها ينهبون ويأسرون ويقتلون، واجتمع بالجامع، وبقيّة المساجد، نساء البلد، فمال أصحاب تمرلنك عليهن، وربطوهن بالحبال، ووضعوا السيف فى الأطفال فقتلوهم


(١) وقعة: كذا فى الأصل.
(٢) إليهم: يعنى إلى المساجد والمزارات.
(٣) الغفير: الخفير.