للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها، فى رابع جمادى الآخرة، فيه توفّى الإمام العالم العلاّمة تقىّ الدين السبكى أبو الحسن على بن عبد الكافى بن على بن تمام الأنصارى، ولد بسبك الثلاث، فى صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة (١)، وتوفّى بجزيرة الفيل، على شاطئ بحر النيل، يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة من هذه السنة.

وقيل بلغت عدّة مصنّفاته نحو ستين تأليفا، فى علوم جليلة، يحقّ لها أن تكتب بماء الذهب، لا بالحبر المداد، لما فيها من النفائس البديعية، والدرر النفيسية؛ وكان شافعى المذهب، رحمة الله عليه.

وكان تولى قضاء الشافعية بدمشق فى مبتدأ أمره، وكان عنده شدّة بأس زائدة، حتى هجاه إبراهيم المعمار، وكان بينه وبينه وحشة، فقال فيه هذه المداعبة، وهو قوله:

مصر للسبكى قالت … سر فلا عدت إليّا

عذت (٢) بالرحمن منك … إن كنت تقيّا

قال الشيخ جمال الدين بن نباتة: لما كنت بدمشق، بلغنى وفاة الشيخ تقىّ الدين السبكى، فرثيته وأنا بدمشق بهذه المرثية، وأرسلتها إلى ولده من دمشق إلى الديار المصرية، وهذه هى القصيدة:

نعاه للفضل والعلياء والنّسب … ناعية الأرض والأفلاك والشهب

ندب شرعنا وجوب الندب حين مضى … فأى حزن وقلب فيه لم يجب

قد أقبلت نوب الأيام ثائرة … إذ كان عونا على الأيام والنوب

ففجعتنا يد التفريق مسفرة عن سفرة … طال فيها شجو مرتقب

وجاء من مصر عنه مبتدا خبر … لكن به السمع منصوب على النصب

وكلّمتنا سيوف الكتب قائلة … ما السيف أصدق أنباء من الكتب

وقال موت فتى الأنصار مغتبطا … الله أكبر كل الحسن فى العرب

لهفى وقد لبست حزنا لفرقته … حدادها أسطر الأشعار والخطب


(١) وستمائة: وستمامايه.
(٢) عذت: عدت.