للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل بسرة شبرا، وهى المدينة التى قال يعقوب، ، لبنيه: لا تدخلوا من باب واحد، وادخلوا من أبواب متفرقّة؛ ولكن خربت فى دولة الفاطميين، عند ما هجم الفرنج على أخذ بيت المقدس، سنة تسع وخمسمائة.

ومنها مدينة الفيوم، التى قد دبرت بالوحى، على يد يوسف، ، وأحكمها على ثلثماية وستين قرية، على عدد أيام السنة، لتغلّ كل قرية منها على أهل مصر يوما، وكان انتهاء العمل منها فى سبعين يوما، فتعجّب الناس من ذلك، وقالوا:

هذا كان يعمل فى ألف يوم، فسمّيت من حينئذ الفيوم؛ وكان بالبرك التى بها سمك يسمى الحيزوم، وهو البلطى، وقد ورد فيه حديث، أنّه يتبع أوراق الجنّة فى أوائل منبع النيل فيرعاها، وكان من محاسن مصر، ولكن انقطع من هناك لما دخل قرن التسعمائة.

ومنها النيل، وهو من أعظم عجائبها، فى نقصانه فى الشتاء، وزيادته فى الصيف، ومنافعه تعمّ سائر البلاد، لما يجلب إليها من الغلال؛ وبه أعجوبة، وهو البرزخ الذى عند ثغر دمياط، لأنّ البحر العذب ينصبّ فى البحر المالح، ولا يختلط أحدهما بالآخر، بل يشاهد كل مهما متميّزا عن الآخر بمسافة طويلة، ثم يغوص بحر النيل فى البحر المالح، ولا يختلط بل يجرى تحته متميّزا عنه، كالزيت مع الماء، وهو قوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ، * بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ﴾ أى لا يغلب الملح على العذب، فيفسد حلاوته، ولا يغلب العذب على الملح، فيفسد مرارته، فسبحان القادر على كل شئ؛ وقد قال الشاعر:

وبأمره البحران يلتقيان … لا يبغى على عذب مرور أجاج

ومنها كان بها الحجر، الذى إذا مسكه الإنسان بكلتى يديه، تقايا كل شئ كان فى بطنه. - وكان بها خرزة، إذا جعلتها للمرأة على حقوها، فلا تحبل أبدا. - وكان بالصعيد حجارة رخوة، إذا كسرت تقد فى الليل كالمصابيح.

ومنها كان فى بحر النيل حوض مدوّر، من رخام أخضر، وعليه كتابة بقلم الطير، يركب فيه الواحد من الناس، والأربعة، ويحرّكونه (١) يعدّى بهم من جانب إلى جانب،


(١) ويحركونه: ويحركوه.