[معنى حرف الجر «في» (١)]
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٨].
(مَنْ فِي النَّار) المقصود به -والله أعلم بمراده-: موسى ﵇.
والمعنى: بارك الله من في مكان النار؛ لأن نورها أحاط به فصار في محيطها، إذْ لو أنه فيها لاحترق.
ومن بركتها: أن الله تعالى جعلها موضعًا لتكليم موسى وندائه وإرساله.
(وَمَنْ حَوْلَهَا) أي: الملائكة، وقيل العكس: (مَنْ فِي النَّارِ): الملائكة، (وَمَنْ حَوْلَهَا): موسى وأهله وهناك احتمال آخر: (وَمَنْ حَوْلَهَا): البلاد التي حول هذه النار، وهي بلاد الشام المباركة.
فائدة:
* أما في قوله: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢].
* ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧].
هل النبي ﵊ بُعِث لمكة وما حولها فحسب؟
(وَمَنْ حَولَهَا) أي: أهْل مَكَّة ومن حولها من العرب، ثم يسري هذا الإنذار إلى سائر الخلق، فلو قلنا:
(من حولها): هي الأرض كافّة لكان هناك إشكال، ولكن فنّده ابن عثيمين ﵀ في تفسير الآية بقوله: «وعلى هذا فنقول: المراد بالإنذار: الإنذار المباشر، والإنذار المباشر من النبي ﵊ ما كان إلا لأمّ القرى ومن حولها؛ ولهذا ما فُتحت الشام ولا العراق ولا مصر في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإنما كان الجزيرة فقط؛ وعليه فيكون المراد بقوله: (تُنْذِرُ) الإنذار الذي تم في حياته ﵊، فإنه لم يشمل إلا أمّ القرى ومن حولها» انتهى.
وهذا لا ينافي عالمية الرسالة ووجوب التبليغ للناس كافة؛ كما قال تعالى في غير آية:
* ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: ١٥٨].
* ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: ١] بما فيهم الإنس والجن.
* ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [سبأ: ٢٨].
* * *