الصلاة صلة العبد بربه، فمن تحقّق بالصلة في الصلاة لمعت له طوالع التجلي، فيخشع. وقد شهد القرآن بفلاح مُصلِّ خاشع قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ١، ٢]. أي: خائفون من الله، متذللون له، يلزمون أبصارهم مساجدهم.
وعلامة ذلك أن لا يلتفت الصلي يمينًا ولا شمالاً. ولا يجاوز بصره موضع سجوده.
صلّى بعضهم في جامع البصرة فسقطت ناحية من المسجد، فاجتمع الناس عليها ولم يشعر هو بها.
والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة، وفقد الخشوع ينفيه، وقد قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: ١٤]. وظاهر الأمر الوجوب، فالغفلة ضد، فمن غفل في جميع صلاته كيف يكون مقيمًا للصلاة لذكره تعالى، فافهم واعمل، فليقبل العبد على ربه، ويستحضر بين يدي من هو واقف.
كان مكتوبًا في محراب داود ﵊، أيها المصلي، من أنت ولمن أنت؟ وبين يدي من أنت، ومن تناجي؟ ومن يسمع كلامك، ومن ينظر إليك؟
وقال الخراز: ليكن إقبالك على الصلاة كإقبالك على الله يوم القيامة، ووقوفك بين يديه وهو مقبل عليك وأنت تناجيه.
وبالسند قال:(حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس، إمام دار الهجرة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة)﵁(أن رسول الله ﷺ قال):
(هل ترون) بفتح التاء، والاستفهام إنكاري أي أتظنون (قبلتي) أي مقابلتي ومواجهتي (هاهنا) فقط؟ (والله ما)، ولأبي ذر عن الحموي: لا (يخفى عليّ ركوعكم ولا خشوعكم) تشبيه لهم على التلبس بالخشوع في الصلاة، لأنه إنما قال لهم ذلك لما رآهم يلتفتون غير ساكنين، وذلك ينافي كمال الصلاة. فيكون مستحبًّا لا واجبًا، إذ لم يأمرهم هنا بالإعادة.