(رأيت أبا سعيد الخدري)﵁(في يوم جمعة يصلّي إلى شيء يستره من الناس فأراد شاب من بني أبي معيط) قيل: هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط كما خرّجه أبو نعيم شيخ المؤلّف في كتاب الصلاة، وقيل غيره (أن يجتاز بين يديه) بالجيم والزاي من الجواز (فدفع أبو سعيد) الخدري ﵁(في صدره فنظر الشاب فلم يجد مساغًا) بفتح الميم والغين المعجمة أي طريقًا يمكنه المرور منها (إلاَّ بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه أبو سعيد أشد من) الدفعة (الأولى فنال) الشاب بالفاء والنون (من أبي سعيد) أي أصاب من عرضه بالشتم (ثم دخل) الشاب (على مروان) بن الحكم الأموي، المتوفى سنة خمس وستين وهو ابن ثلاث وستين سنة. (فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال) مروان لأبي سعيد: (ما لك ولابن أخيك) أي في الإسلام (يا أبا سعيد) وهو يردّ على من قال: إن المارّ هو الوليد بن عقبة لأن أباه عقبة قتل كافرًا. وقوله ما مبتدأ وخبره لك ولابن أخيك عطف عليه بإعادة الخافض (قال) أبو سعيد ﵁: (سمعت النبي ﷺ يقول: إذا صلّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه) قال القرطبي رحمة الله عليه بالإشارة ولطيف المنع (فإن أبى فليقاتله) بكسر اللام الجازمة وسكونها.
قال النووي رحمة الله عليه: لا أعلم أحدًا من الفقهاء قال بوجوب هذا الدفع، بل صرّح أصحابنا رحمهم الله تعالى بأنه مندوب. نعم قال أهل الظاهر بوجوبه، ونقل البيهقي عن الشافعي رحمهما الله تعالى أن المراد بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول. وقال أصحابنا: يرده بأسهل الوجوه فإن أبى فبأشد ولو أدّى إلى قتله فقتله فلا شيء عليه، لأن الشّارع أباح له مقاتلته، والمقاتلة المباحة لا ضمان فيها وليس المراد المقاتلة بالسلاح ولا بالمشي إليه، بل والمصلي بمحله بحيث تناله يده ولا يكون عمله في مدافعته كثيرًا (فإنما هو شيطان) أي إنما فعله فعل شيطان، وإطلاق الشيطان على مارد الإنس سائغ على سبيل المجاز والحصر بإنما للمبالغة، فالحكم للمعاني لا للأسماء لأنه يستحيل أن يصير المارّ شيطانًا بمروره بين يدي المصلي.
ورواة هذا الحديث الثمانية بصريون إلا أبا صالح فإنه مدني، وآدم فإنه عسقلاني، وفيه التحويل والتحديث والعنعنة والقول والرؤية، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صفة إبليس لعنة الله عليه، ومسلم وأبو داود في الصلاة.
١٠١ - باب إِثْمِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي