نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه، فالحكم ثابت على النقيضين، والطرف المسكوت عنه أولى من المذكور، ويسميه البيانيون ترك المعين إلى غير المعين ليعم كل مخاطب.
(ثم رأت منك شيئًا) قليلاً لا يوافق مزاجها أو شيئًا حقيرًا لا يعجبها (قالت ما رأيت منك خيرًا قط) بفتح القاف وتشديد الطاء مضمومة على الأشهر ظرف زمان لاستغراق ما مضى.
وفي هذا الحديث وعظ الرئيس الرؤوس وتحريضه على الطاعة ومراجعة المتعلم العالم والتابع المتبوع فيما قاله إذا لم يظهر له معناه، وجواز إطلاق الكفر على كفر النعمة وجحد الحق وأن المعاصي تنقص الإيمان لأنه جعله كفرًا ولا يخرج إلى الكفر الوجب للخلود في النار، وأن إيمانهنّ يزيد بشكر نعمة العشير، فثبت أن الأعمال من الإيمان. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلا ابن عباس مع أنه أقام بالمدينة وفيه التحديث والعنعنة، وهو طرف من حديث ساقه في صلاة الكسوف تامًّا، وكذا أخرجه في باب من صلى وقدّامه نار، وفي بدء الخلق في ذكر الشمس والقمر، وفي عشرة النساء، وفي العلم. وأخرجه مسلم في العيدين.
هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط عند الأصيلي (المعاصي) كبائرها وصغائرها (من أمر الجاهلية) وهي زمان الفترة قبل الإسلام وسمي بذلك لكثرة الجهالات فيه (ولا يكفر) بفتح المثناة التحتية وسكون الكاف، وفي غير رواية أبي الوقت ولا يكفر بضمها وفتح الكاف وتشديد الفاء المفتوحة (صاحبها بارتكابها) أي لا ينسب إلى الكفر باكتساب المعاصىِ والإتيان بها (إلا بالشرك) أي بارتكابه خلافًا للخوارج القائلين بتكفيره بالكبيرة والمعتزلة القائلين بأنه لا مؤمن ولا كافر، واحترز بالارتكاب عن الاعتقاد. فلو اعتقد حلّ حرام معلوم من الدين بالضرورة كفر قطعًا.
ثم استدل المؤلف لا ذكره فقال: القول النبي ﷺ إنك امرؤ فيك جاهلية) أي إنك في تعييره بأمه على خُلُق من أخلاق الجاهلية ولست جاهلاً محضًا (وقول الله تعالى) ولأبي ذر والأصيلي ﷿ ولأبي ذر عن الكشميهني، وقال الله:(إن الله لا يغفر أن يشرك به) أي يكفر به ولو بتكذيب نبيه لأن من جحد نبوّة الرسول ﵊ مثلاً فهو كافر ولو لم يجعل مع الله إلهًا آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء﴾ [النساء: ٤٨]، فصير ما دون الشرك تحت إمكان المغفرة، فمن مات على التوحيد غير مخلد في النار وإن ارتكب من الكبائر غير الشرك ما عساه أن يرتكب.