وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب أبو عبد الرحمن الحارثي القعنبي (عن مالك) الإمام الأعظم (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة عن أم سلمة) هند أم المؤمنين (﵂ أن رسول الله ﷺ قال):
(انما أنا) بالنسبة إلى الاطّلاع على بواطن الخصوم (بشر) لا بالنسبة إلى كل شيء فإن له ﷺ أوصافًا أُخر والحصر مجازي لأنه حصر خاص أي باعتبار علم البواطن ومعلوم أنه ﷺ بشر وإنما قال ذلك توطئة لقوله (وإنكم تختصمون إليّ) بتشديد الياء فلا أعلم بواطن أموركم كما هو مقتضى أصل الخلقة البشرية (ولعل بعضكم أن يكون ألحن) بالحاء المهملة أبلغ في الإتيان (بحجته من بعض) وهو كاذب (فأقضي) أي له بسبب كونه ألحن بحجته (نحو ما أسمع) منه، ولأبي ذر عن الحموي على نحو ما أسمع (فمن قضيت له بحق أخيه) أي المسلم وكذا الذمي ومن في قوله فمن قضيت شرطية، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من حق أخيه (شيئًا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار). أي فإنما أقضي له بشيء حرام يؤول إلى النار كما قال تعالى: ﴿إنما يأكلون في بطونهم نارًا﴾ [النساء: ١٠] وفيه أنه ﵊ لا يعلم بواطن الأمور إلا أن يطلعه الله على ذلك وأنه يحكم بالظاهر، ولم يطلعه الله تعالى على حقيقة الأمر في ذلك حتى لا يحتاج إلى بيّنة ويمين تعليمًا لتقتدي به أمته فإنه لو حكم في القضايا بيقينه الحاصل من الغيب لما أمكن الحكم لأمته من بعده، ولما كان الحكم بعده مما لا بدّ منه أجرى أحكامه على الظاهر وأمر أمته بالاقتداء به فإذا حكم بما يخالف الباطن لا يجوز للمقضي له أخذ ما قضي له به وفيه دلالة على صحة مذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الأمصار أن حكم الحاكم إنما ينفذ ظاهرًا لا باطنًا، وأنه لا يحل حرامًا ولا يحرّم حلالاً بخلاف أبي حنيفة حيث قال: إن حكمه ينفذ ظاهرًا وباطنًا في العقود والفسوخ وسيكون لنا عودة إلى مباحث ذلك إن شاء الله تعالى في باب من قضي له بحق أخيه فلا يأخذه بعون الله سبحانه.
ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرة فينبغي للحاكم أن يعظ الخصمين ويحذرهما من الظلم وطلب الباطل اقتداء به ﷺ.
قال في الفتح: وفي الحديث أن التعمق في البلاغة بحيث يحصل اقتدار صاحبها على تزيين