بخلاف الكثير الشاق، وربما ينمو القليل الدائم حتى يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة، وهذا من مزيد شفقته ﷺ ورأفته بأمته حيث أرشدهم إلى ما يصلحهم وهو ما يمكنهم الدوام عليه من غير مشقة جزاه الله عنّا ما هو أهله، وسقط عند الأصيلي قوله ما داوم عليه صاحبه، والتعبير بأحب هنا يقتضي أن ما لم يداوم عليه صاحبه من الدين محبوب، ولا يكون هذا إلا في العمل ضرورة أن ترك الإيمان كفر. قاله في الصابيح. وفي هذا الحديث الدلالة على استعمال المجاز وجواز الحلف من غير استحلاف وأنه لا كراهة فيه إذا كان لمصلحة وفضيلة المداومة على العمل وتسمية العمل دينًا، وقد أخرجه المؤلف أيضًا في الصلاة ومسلم ومالك في موطئه.
(باب زيادة الإيمان ونقصانه) بإضافة باب لتاليه فقط. (وقول الله تعالى) بجر قول عطفًا على زيادة الإيمان، ولأبي ذر وابن عساكر ﷿ بدل قوله تعالى: ﴿وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾ [الكهف: ١٣] لأن زيادته مستلزمة للإيمان أو المراد بالهدى الإيمان نفسه، وقوله تعالى: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر: ٣١](وقال) تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ أي شرائعه.
فإن قلت: إذا كان تفسير الآية ما ذكر فما وجه استدلال المصنف بها على زيادة الإيمان ونقصانه. أجيب: بأن الكمال مستلزم للنقص واستلزامه للنقص يستدعي قبوله الزيادة.
ومن ثم قال المؤلف:(فإذا ترك) وللأصيلي فإذا تركت (شيئًا من الكمال فهو ناقص) لا يقال إن الدين كان ناقصًا قبل وإن من مات من الصحابة كان ناقص الإيمان من حيث إن موته قبل نزول ْالفرائض أو بعضها لأن الإيمان لم يزل تامًّا والنقص بالنسبهَ إلى الذين ماتوا قبل نزول الفرائض من الصحابة صوريّ نسبيّ ولهم فيه رتبة الكمال من حيث المعنى، وهذا يشبه قول القائل إن شرع محمد أكمل من شرع موسى وعيسى لاشتماله من الأحكام على ما لم يقع في الكتب السابقة، ومع هذا فشرع موسى في زمانه كان كاملاً وتجدد في شرع عيسى بعده ما تجدد، فالأكملية أمر نسبيّ، وعبر المؤلف بقال الماضي ولم يقل، وقوله اليوم على أسلوب السابق لأن الاستدلال به نص صريح في الزيادة وهو مستلزم للنقص بخلاف هذه، فإن الصريح فيها الكمال وليس هو نصًّا صريحًا في الزيادة.