الدهر (وأنا الدهر) أي خالقه أو المدبر للأمور أو مقلب الدهر ولذلك عقبه بقوله (بيدي الليل والنهار). وعند أحمد من وجه آخر بسند صحيح عن أبي هريرة:"لا تسبوا الدهر فإن الله تعالى، قال: أنا الدهر الأيام والليالي إليّ أجدّدها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك" فإذا سب ابن آدم الدهر على أنه فاعل هذه الأمور عاد السب إلى الله لأنه هو الفاعل والدهر إنما هو ظرف لمواقع هذه الأمور فالمعنى أنا مصرف الدهر فحذف اختصارًا للفظ واتساعًا في المعنى.
والمطابقة بين الحديث والترجمة في قوله: يسب بنو آدم الدهر لأن المعنى في الحقيقة يرجع إلى لا تسبوا الدهر وصرح بذلك في مسلم، والحديث أخرجه مسلم أيضًا.
وبه قال:(حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عياش بن الوليد) بالتحتية والشين المعجمة الرقام البصري قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة)﵁(عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(لا تسموا العنب الكرم) بفتح الكاف وسكون الراء لأنه يتخذ منه الخمر فكره تسميته به لأن فيها تقريرًا لما كانوا يتوهمونه من تكريم شاربها (ولا تقولوا خيبة الدهر) بالخاء المعجمة والموحدة المفتوحتين بينهما تحتية ساكنة نصب على الندبة كأنه فقد الدهر لما يصدر عنه مما يكرهه فندبه متفجعًا عليه أو متوجعًا منه أو هو دعاء عليه بالخيبة. وعند مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وادهراه وادهراه والخيبة الحرمان والخسران وقد خاب يخيب وهو من إضافة المصدر إلى الفاعل (فإن الله هو الدهر) أي الفاعل لما يحدث فيه. قال في بهجة النفوس: لا يخفى أن من سب الصنعة فقد سب صانعها فمن سب الليل والنهار أقدم على أمر عظيم بغير معنى ومن سب ما يقع فيهما من الحوادث وذلك أغلب ما يقع من الناس فلا شيء في ذلك اهـ.
وقال جماعة من المحققين: من نسب شيئًا من الأفعال إلى الدهر حقيقة كفر ومن جرى هذا اللفظ على لسانه غير معتقد لذلك فليس بكافر لكن يكره له ذلك لتشبهه بأهل الكفر في الإطلاق. وقال القاضي عياض: زعم بعض من لا تحقيق عنده أن الدهر من أسماء الله وهو غلط فإن الدهر مدة زمان الدنيا.
١٠٢ - باب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ:«إِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ»