في هذا الحديث تشبيه الإيمان بشجرة ذات أغصان وشعب، ومبناه على المجاز لأن الإيمان كما مر في اللغة التصديق وفي عرف الشرع تصديق القلب واللسان وتمامه وكماله بالطاعات، فحينئذ الإخبار عن الإيمان بأنه بضع وستون يكون من باب إطلاق الأصل على الفرع لأن الإيمان هو الأصل والأعمال فروع منه، وإطلاق الإيمان على الأعمال مجاز لأنها تكون عن الإيمان، وهذا مبني على القول بقبول الإيمان الزيادة والنقصان، أما على القول بعدم قبوله لهما فليست الأعمال داخلة في الإيمان، واستدل لذلك بأن حقيقة الإيمان التصديق، ولأنه قد ورد في الكتاب والسُّنَّة عطف الأعمال على الإيمان كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات﴾ مع القطع بأن العطف يقتضي المغايرة وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه، وقد ورد أيضًا جعل الإيمان شرط صحة الأعمال كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [طه: ١١٢]. مع القطع بأن المشروط لا يدخل في الشرط لامتناع اشتراط الشيء لنفسه، وورد أيضًا إثبات الإيمان لمن ترك بعض الأعمال كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ [الحجرات: ٩]. مع القطع بأنه لا يتحقق الشيء بدون ركنه، ولا يخفى أن هذه الوجوه إنما تقوم حجة على من يجعل الطاعات ركنًا من حقيقة الإيمان، بحيث إن تاركها لا يكون مؤمنًا كما هو رأي المعتزلة، لا على من ذهب إلى أنها ركن من الإيمان الكامل بحيث لا يخرج تاركها عن حقيقة الإيمان كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى قاله العلاّمة التفتازاني.
ومن لطائف إسناد حديث هذا الباب أن رجاله كلهم مدنيون إلا العقدي فإنه بصري وإلا المسندي وفيه تابعي عن تابعي، وهو عبد الله بن دينار عن أبي صالح، وأخرج متنه أبو داود في السُّنَّة والترمذي في الإيمان، وقال: حسن صحيح، والنسائي في الإيمان أيضًا وابن ماجة.
٤ - باب الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ
(باب) بالتنوين (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وسقط لفظ باب للأصيلي.
وبالسند السابق للمؤلف قال:(حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف المثناة التحتية آخره سين مهملة المتوفى سنة ست وعشرين ومائتين. (قال: حدّثنا شعبة)، ولابن عساكر عن شعبة غير منصرف ابن الحجاج بن الورد الواسطي المتوفى بالبصرة أول سنة ستين ومائة. (عن عبد الله بن