أوقع يعني أنتم مستوون في كونكم عبيد الله وملتكم ملة واحدة فالتباغض والتحاسد والتدابر مناف لحالكم، فالواجب عليكم أن تكونوا إخوانًا متواصلين متألفين (ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه) في الإسلام (فوق ثلاثة أيام) تخصيص الأخ بالذكر إشعار بالعلية ومفهومه أنه إن خالف هذه الشريطة وقطع هذه الرابطة جاز هجرانه فوق ثلاثة فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة على ممرّ الأوقات ما لم تظهر التوبة والرجوع إلى الحق.
هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط في رواية أي ذر ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن﴾ يقال جنبه الشر إذا أبعده عنه وحقيقته جعله في جانب فيتعدى إلى مفعولين قال الله تعالى: ﴿واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام﴾ [إبراهيم: ٣٥] ومطاوعة اجتنب الشر فنقص مفعولاً والمأمور باجتنابه هو بعض الظن وذلك البعض موصوف بالكثرة ألا ترى إلى قوله: ﴿إن بعض الظن إثم﴾ يستحق صاحبه العقاب. قال الفراء: هو ظنك بأهل الخير سوءًا فأما أهل الفسق فلنا أن نظن فيهم مثل الذي ظهر منهم، ويجوز أن يكون من مجاز الحذف تقديره اجتنبوا كثيرًا من اتباع الظن إن اتباع بعض الظن كذب ﴿ولا تجسسوا﴾ [الحجرات: ٢] أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم.
وبه قال:(حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال):
(إياكم) كلمة تحذير (والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا) وقد فهم من الآية السابقة. وهذا الحديث الأمر بصون عرض المسلم غاية الصيانة لتقديم النهي عن الخوض فيه بالظن فإن قال: الظان: أبحث لأتحقق قيل له ﴿ولا تجسسوا﴾ فإن قال: تحققته من غير تجسس قيل ﴿ولا يغتب بعضكم بعضًا﴾ (ولا تناجشوا) بالنون بعد الفوقية وبعد الألف جيم فشين معجمة مضمومة من النجش وهو أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها بل ليوقع غيره فيها (ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا).