ذلك القياس فيما كان الثاني من جنس الأول وفيه زيادة الرحمن يتناول جلائل النعم وأصولها، والرحيم دقائقها وفروعها فلم يكن في الثاني زيادة على الأول فكأنه جنس آخر فيقال لما ثبت أن الرحمن أبلغ من الرحيم في تأدية معنى الرحمة المترقي من الرحيم إليه لأن معنى الترقي هو أن يذكر معنى ثم يردف بما هو أبلغ منه.
وقال صاحب الإيجاز والانتصاف: الرحمن أبلغ لأنه كالعلم إذ كان لا يوصف به غير الله فكأنه الموصوف وهو أقدم، إذ الأصل في نعم الله أن تكون عظيمة فالبداءة بما يدل على عظمها أولى هذا أحسن الأقوال يعني أن هذا الأسلوب ليس من باب الترقي بل هو من باب التتميم وهو تقييد الكلام بتابع يفيد مبالغة، وذلك أنه تعالى لما ذكر ما دلّ على جلائل النعم وعظائمها أراد المبالغة والاستيعاب فتمم بما دل على دقائقها وروادفها ليدل به على أنه مولى النعم كلها ظواهرها وبواطنها جلائلها ودقائقها فلو قصد الترقي لفاتت المبالغة المذكورة، ومن شرط التتميم الأخذ بما هو أعلى في الشيء ثم بما هو أحط منه ليستوعب جميع ما يدخل تحت ذلك الشيء لأنهم لا يعدلون عن الأصل والقياس إلا لتوخي نكتة، وقيل: إنه من باب التكميل وهو أن يؤتى بكلام في فن فيرى أنه ناقص فيه فيكمل بآخر فإنه تعالى لما قال الرحمن توهم أن جلائل النعم منه وأن الدقائق لا يجوز أن تنسب إليه لحقارتها فكمل بالرحيم، ويؤيده ما في حديث الترمذي عن أنس مرفوعًا:"ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع" وزاد حتى يسأل الملح.
(باب قول الله تعالى:) أنا الرزاق ولأبوي الوقت وذر والأصيلي (﴿وإن الله هو الرزاق﴾) أي الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق وفيه إيماء باستغنائه عنه وقرئ: إني أنا الرزاق وهو موافق للرواية الأولى (﴿ذو القوة المتين﴾ [الذاريات: ٥٨]) الشديد القوّة والمتين بالرفع صفة لذو وقرأ الأعمش بالجر صفة للقوّة على تأويل الاقتدار.
وبه قال:(حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن سعيد بن جبير) ولأبي ذر هو ابن جبير (عن أبي عبد الرحمن) بن حبيب بفتح الموحدة وتشديد التحتية (السلمي)