(لما قتل أبي) عبد الله بن عمرو يوم أحد، في شوال سنة ثلاث من الهجرة، وكان المشركون مثلوا به، جدعوا أنفه وأذنيه (جعلت أكشف الثوب عن وجهه) حال كوني (أبكي) عليه (وينهوني) وللكشميهني والأصيلي، وأبي الوقت: ينهونني، بزيادة نون ثانية بعد الواو على الأصل (عنه) أي: عن البكاء، ولفظة عنه، ساقطة لأبي ذر، (والنبي، ﷺ لا ينهاني) عنه (فجعلت عمتي) شقيقة أبي عبد الله بن عمرو (فاطمة تبكي، فقال النبي، ﷺ،) معزيًا لها، ومخبرًا لها بما آل إليه من الخير.
(تبكين أو لا تبكين، ما) ولأبوي: ذر والوقت، والأصيلي: فما (زالت الملائكة تظله بأجنحتها) مجتمعين عليه، متزاحمين على المبادرة لصعودهم بروحه، وتبشيره بما أعد الله له من الكرامة، أو: أظلوه من الحر لئلا يتغير، أو: لأنه من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: و: أو، ليست للشك، بل من كلامه ﵊، للتسوية بين البكاء وعدمه. أي: فوالله إن الملائكة تظله، سواء تبكين أم لا.
(حتى رفعتموه) من مقتله، وهذا قاله ﵊ بطريق الوحي، فلا يعارضه ما في حديث أم العلاء السابق، لأنه أنكر عليها قطعها، إذ لم تعلم هي من أمره شيئًا.
وقد أخرج هذا الحديث المؤلّف أيضًا في: الفضائل، والنسائي في الجنائز، والمناقب. ومطابقته للترجمة في قوله: اجعلت أكشف الثوب عن وجهه، لأن الثوب أعم من أن يكون الذي سجوه به ومن الكفن.
(تابعه) أي تابع شعبة (ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز، قال:(أخبرني) بالإفراد (ابن المنكدر) ولأبوي: ذر، والوقت، وابن عساكر في نسخة: أخبرني محمد بن المنكدر أنه (سمع جابرًا، ﵁).
وهذا وصله مسلم من طريق عبد الرزاق عنه، وأوله: جاء قومي بأبي قتيلاً يوم أحد …
وذكر المؤلّف هذه المتابعة لينفي ما وقع في ابن ماهان، من صحيح مسلم، عن عبد الكريم، عن محمد بن علي بن حسين، عن جابر: فجعل محمد بن علي، بدل: محمد بن المنكدر، فبين البخاري أن الصواب: محمد بن المنكدر، كما رواه شعبة.
٤ - باب الرَّجُلِ يَنْعَى إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ بِنَفْسِهِ
(باب الرجل ينعى) الميت، حذف مفعول ينعى: وهو الميت، لدلالة الكلام عليه. وذكر المفعول الآخر الذي عدي له بحرف الجر. أي: يظهر خبر موته (إلى أهل الميت بنفسه) ولا يستنيب فيه أحدًا، ولو كان رفيعًا. والتأكيد، أي في قوله: بنفسه، للضمير المستكن في ينعى، فهو عائد إلى الناعي لا المنعي، أو يرجع الضمير إلى المنعي وهو الميت، أي ينعى إلى أهل الميت نفس الميت، أو بسبب ذهاب نفسه.